ترك برس

أشارت تقارير صحفية إلى أن أروقة صناعة القرار الاقتصادي في إسرائيل، تشهد عاصفة كبيرة وخلافات حادة خاصة بين المستوردين والمصنعين، على خلفية إعلان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اعتزامه إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا وفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات منها رداً على قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقف الصادرات وتجميد كل أشكال التجارة إلى إسرائيل بسبب منعها وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، الذي يشهد عدواناً وحشياً من جيش الاحتلال للشهر الثامن على التوالي.

وبحسب صحيفة العربي الجديد، حذر شاهار ترجمان، رئيس اتحاد الغرف التجارية الذي يمثل المستوردين في إسرائيل، من أن "سموتريتش يتخذ منعطفاً سياسياً والمستهلكون سيدفعون الثمن". وتساءل ترجمان قائلا: "هل نعتقد حقاً أننا سنعاقب أردوغان؟ إذا كان افتراضنا العملي هو أن سلوكنا العدواني سيغيره، فهذا خطأ... ما الهدف من هذه الخطوة؟ ما سيحدث هو أنك تجعل تكلفة المعيشة أسوأ؟".

وأضاف: "لا يمكننا البقاء على قيد الحياة بإنتاجنا الخاص فقط... والحقيقة أن السوق التركية هي الأقرب والأرخص بالنسبة لنا، فالمستهلك الإسرائيلي مهتم بتكلفة المعيشة، والمنتجات التركية تخدم مكافحة الأسعار المرتفعة، فالأسواق البديلة أكثر تكلفة، كما أنهم مترددون في إعطائنا سلعاً بديلة، لأنهم لا يريدون الانحياز إلى أي طرف في الصراع، وهم يدركون أنه بمجرد انتهاء الأزمة، سيعود المستوردون الإسرائيليون إلى الأسعار الرخيصة في تركيا".

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، عن ترجمان، يوم الأحد: "لا يمكنك حقاً إنشاء صناعة تحل محل المنتجات التركية... وحتى لو فعلت ذلك، فسوف يستغرق الأمر سنوات، وربما تريد أيضاً رسوماً وقائية حتى تتمكن من ذلك، كما أنك لن تكون منافساً لهم في السعر". وتابع: "هناك أشياء يمكن إنتاجها في إسرائيل، وأنا أؤيد صناعتنا، لدينا 400 ألف عامل يكسبون لقمة عيشهم من الصناعة، لكن هناك أيضا مليونا شخص يكسبون عيشهم من التجارة والخدمات". وفق العربي الجديد.

وأشار إلى أن التجار يمارسون ضغوطا على الحكومة، وكذلك هناك مسؤولون في وزارتي المالية والاقتصاد يعارضون توجه سموتريتش، وبعض أعضاء الحكومة أيضاً ضد هذه الخطوة، لكنهم لن يقولوا ذلك علناً. وأضاف: "من المفترض أن خطوته ذكية سياسياً، لكن الجمهور سيدفع الثمن بسببها".

وفي عام 2023، بلغ إجمالي استيراد البضائع من تركيا نحو 5.2 مليارات دولار، منها نحو 2.8 مليار دولار لصناعة البناء والتشييد وحدها، حيث تعمل مصانع محدودة على إنتاج هذه المواد في إسرائيل. واحتلت إسرائيل المركز الـ13 في قائمة الدول الأكثر استيراداً للمنتجات التركية العام الماضي، مشكّلة 2.1% من مجموع الصادرات التركية.

ووضعت تركيا الشهر الماضي قيوداً على تصدير الصلب والأسمدة ووقود الطائرات ضمن 54 فئة من المنتجات الأخرى لإسرائيل، وقالت إن ذلك بسبب رفض إسرائيل السماح لها بالمشاركة في عمليات إسقاط المساعدات جواً على غزة. وقررت أنقرة بعدها مطلع مايو/أيار الجاري وقف ما تبقى من التجارة. وتظهر بيانات وزارة التجارة التركية أن أهم الصادرات إلى إسرائيل هي الصلب والمركبات والبلاستيك والأجهزة الكهربائية والآلات.

تال أورين، مستورد قطع غيار السيارات والزيوت من تركيا، يتخوف من فرض رسوم بنسبة 100% على الواردات من تركيا قائلا: "هناك منتجات أستوردها حصراً من تركيا، وسأضطر إلى مواصلة استيرادها بطرق أخرى للتحايل على المقاطعة التركية، لكن تكلفة الخدمات اللوجستية والشحن ستكون ثلاثة أضعاف، أضف الرسوم الجمركية الكاملة وسيتضاعف السعر، ولن يكون لدي خيار سوى تحميل التكاليف على المستهلك... سموتريتش لا يعاقب أردوغان، بل المستهلك".

في السياق، قال إسحاق ليفي، الذي يملك شركة متخصصة في استيراد الفواكه المجففة والمكسرات والزيتون من تركيا: "سنجد بدائل للسلع التركية، لكنها ستكون أكثر تكلفة بعشرات في المائة... شهد الشهر الماضي فوضى خطيرة، فقد كنا نبحث عن طريقة لجلب البضائع عبر دول أخرى، وهذا أمر صعب، لأن هناك دولاً لا تريد أن تنحاز إلى أي طرف".

كما هاجم مسؤولون كبار في الوزارات الاقتصادية بالحكومة الإسرائيلية، مبادرة وزير المالية، وفق ما نقلت الصحيفة الإسرائيلية، إذ قالوا إنها "قادمة من الأمعاء وليس من الرأس لمعاقبة أردوغان، بينما سيعاقب مواطني إسرائيل، كما أن من المستحيل تجاهل أهمية طريق التجارة التركي في تأثيره على تكاليف المعيشة، وقد يؤدي القرار إلى زيادة معدل التضخم بنسبة 1% إضافية هذا العام، وهو رقم كبير".

في المقابل، يؤيد رئيس جمعية المصنعين الإسرائيليين رون تومر، مبادرة وزير المالية، معتبرا أن "الإجراء رد إسرائيلي مناسب على السلطان التركي يشير له وللعالم أجمع بأن الضرر الاقتصادي الذي تتعرض له جراء قرار وقف الصادرات لن يمر دون رد... يجب على أردوغان أن يفهم أنه لا يمكن السماح لأهوائه بتوجيه العلاقات التجارية وأن هناك ثمناً للخطوات الأحادية الجانب". وبحسب رؤساء مصلحة الضرائب، فإن قرار سموتريتش لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة الحكومة عليه ومن المرجح أن يوافق عليه الوزراء. لكن السلطات القانونية شككت في شرعيتها، خاصة فيما يتعلق بعقود الاستيراد التي تم توقيعها بالفعل.

ووفقا للموقع الرسمي لوزارة التجارة التركية، جرى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وإسرائيل في 14 مارس/آذار 1996 في القدس المحتلة، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من مايو/أيار1997. وتتضمن الاتفاقية إلغاء الرسوم الجمركية، بالإضافة إلى تنظيم عدة مجالات مثل ميزان المدفوعات والمشتريات العامة وحقوق الملكية الفكرية، ومكافحة الإغراق.

ويأتي التصعيد التجاري بين إسرائيل وتركيا في وقت تتزايد الضغوط على المستهلك الإسرائيلي، وسط ارتفاع التكاليف الناجمة عن اضطراب سلاسل التوريد التي سببتها هجمات الحوثيين في اليمن على السفن الإسرائيلية وغيرها من الجنسيات الأخرى المارة في البحر الأحمر والمتجهة نحو إسرائيل. وذكرت صحيفة معاريف في تحليل لها، أن موجة ارتفاع الأسعار آخذة في التزايد، وللحكومة أيضاً دور كبير في وقوع المستهلك تحت العبء، مشيرة إلى أنه من خلال إجراء مقارنة بين أسعار نفس العلامات التجارية في إسرائيل وألمانيا جرى اكتشاف مفاجئة صادمة بأن هناك فروق تصل إلى 300% أعلى في إسرائيل.

ولفت التحليل إلى أن موردي الماركات العالمية في إسرائيل يستمرون في زيادة أسعار المنتجات الاستهلاكية في سلاسل التسويق مع ادعاء أنه "لا يوجد خيار"، بينما السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن في قلب أوروبا أن تدفع نصف السعر وأقل لنفس العلامات التجارية، على الرغم من أن مستوى الدخل هناك يعادل متوسط الأجر في إسرائيل؟ ويطاول صعود الأسعار جميع قطاعات الاقتصاد، حيث تستمر أسعار السلع الغذائية والتبغ والوقود في الارتفاع، وفي الوقت نفسه، يبدو أن الحكومة تراقب من الخطوط الجانبية ولا تتحرك لحماية المستهلكين، وفق معاريف، حيث تستمر أسعار المنتجات الخاضعة للرقابة، مثل السلع الأساسية، في الارتفاع، في حين أثبتت أن تهديداتها للمصنعين وتجار التجزئة بإجراءات رادعة لمنع رفع الأسعار، أنها تهديدات فارغة.

وحذرت معاريف من أنه إذا استمر الاتجاه الحالي "فسنشهد اتساع الفجوات الطبقية وتبخر الطبقة الوسطى في السنوات المقبلة". وقالت "تغرينا شركات التمويل والبنوك بزيادة المشتريات من خلال تأجيل المدفوعات والقروض لأي شخص وطرق التمويل التي لا يدركها معظم المستهلكين من القطاع الخاص بالنتائج والعواقب التي سيتعين عليهم التعامل معها خلال ثلاث إلى خمس سنوات". وأشارت إلى أن من المتوقع قريباً أن ترتفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18%، ومن الممكن استخدام هذه الزيادة كذريعة لرفع الأسعار على نطاق أوسع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!