ترك برس

بدأت الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة بمشاركة أكثر من 120 دولة أو رئيس حكومة، وألقى الرئيس رجب طيب أردوغان كلمة أمام الجمعية العامة في افتتاح الدورة.

بدأ أردوغان كلمته: "أود أن أشكر السيد بيتر تومسون على عمله الناجح طوال العام بوصفه رئيساً للجمعية العامة الحادية والسبعين، وأهنئ السيد ميروسلاف لاجاك، على توليه رئاسة الجمعية العامة، ويحدوني الأمل في أن تكون الجمعية العامة لهذا العام مفيدة في مصلحة جميع شعوب العالم التي تسعى للسلام والأمان."

"السيد الرئيس، السادة الوفود المحترمون، مما يؤسف له أن السلام والاستقرار العالميين ذهبا إلى أبعد مما كان في العام الماضي، وما زلنا نرى الوجه القبيح للإرهاب والحرب في مختلف أنحاء العالم. وأن الإرهابيين الذين يتغذون من بيئات الصراع ينشرون أنشطتهم إلى مناطق مختلفة."

أعرب أردوغان عن قلقه إزاء أعمال العنف التي ترتكبها الحركات الراديكالية التي تلتقي مع كراهية الأجانب والعنصرية الثقافية، والإسلاموفوبيا، مؤكدًا على أهمية العمل المشترك تحت سقف الأمم المتحدة لعكس الصورة السلبية، قائلا: "إننا بحاجة إلى تطوير منظور جديد للسلام العالمي، ولا يمكن حل أي ازمة أو تهديد من خلال تركها بمفردها، بل يتوجب علينا التعاون الحقيقي لحل الأزمات، وهذا ما تسعى إليه تركيا بسياستها الخارجية."

"للأسف المجتمع الدولي ترك الشعب السوري وحيدا"

قال أردوغان: "في سوريا دُمّرت حضارة بكاملها، إلى جانب مقتل الأطفال الأبرياء والمدنيين، والإرهاب الذي وضع هذا البلد في حالة عدم الاستقرار ينتشر مثل السرطان عابرا للحدود. فالشعب السوري الذي طالب بالديمقراطية والحرية والعدالة ترك وحيدا من قبل الجميع، ونحن كتركيا لا يمكن أن نتجاهل المأساة التي يعيشها الشعب السوري الذي تربطنا به علاقة تاريخية عميقة."

وذكر أنه منذ بداية الثورة في سوريا في ربيع عام 2011، قدمت تركيا جميع أنواع المساعي الإنسانية السياسية لحل المشكلة، وأنها استضافت أكثر من 3 ملايين سوري وأكثر من 200 ألف طالب لجوء عراقي. وقال إن عملية مبادرة جنيف التي ظلت عالقة لفترة طويلة أعيد إحياؤها من خلال بدء اجتماعات أستانا بمشاركة روسيا وإيران وجميع الأطراف للوصول إلى تسوية سلمية للأزمة السورية.

وأشار أردوغان إلى أنه تم التوصل إلى خطة جديدة تتعلق بأمن منطقة إدلب في إطار مباحثات أستانا، وقال: "إننا نؤيد كل خطوة تتخذ لبناء سورية مستقرة ومزدهرة، على أساس وحدة التراب واحترام المطالب الديمقراطية للشعب".

"الاتحاد الأوروبي أرسل 820 مليون يورو فقط"

وذكر أردوغان أنه منذ بداية الأزمة السورية وتركيا تقدم المأوى والغذاء واللباس، والرعاية الصحية وحتى التعليم، وتلبي كافة احتياجات اللاجئين، وأنها نالت احترام وتقدير كل من زارها من السياسيين الذين اطلعوا على الخدمات التي قدمتها للاجئين، مؤكدا على أن تركيا لم تحصل على دعم كاف من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لقاء العمل الذي قامت به.

وأشار أردوغان إلى أن المبالغ التي أنفقت للاجئين داخل المخيمات وخارجها وصلت لـ 30 مليار دولار من الحكومة والمنظمات غير الحكومية ومن الشعب، وفي المقابل وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم 3 مليار يورو ثم 3 مليار يورو أخرى، لكنه لم يرسل سوى 820 مليون يورو فقط، بالإضافة لـ 520 مليون دولار من الأمم المتحدة.

وذكر أردوغان أن المساعدات المقدمة لطالبي اللجوء السوريين لم تدخل ميزانية تركيا، وأنها لم تسلم إلا للمحتاجين من خلال وكالات المعونة التابعة للأمم المتحدة.

ودعا الرئيس التركي "جميع الدول والمنظمات الدولية التي تركت عبء 3.2 مليون لاجئ على عاتق تركيا بالوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها."

"نسعى لمساعدة جميع المظلومين"

أشار أردوغان إلى أن تركيا هي الدولة التي تقدم المساعدات الإنسانية والمساعدات الإنمائية في جميع أنحاء العالم، وليس فقط اللاجئين على أراضيها، "بل نساعد كل مظلوم في كل مكان في العالم من خلال المؤسسات والمنظمات مثل تيكا (TİKA) وآفاد (AFAD) والهلال الأحمر بالإضافة للمنظمات غير الحكومية المختلفة، فعلى سبيل المثال، قدمت تركيا نحو مليار دولار لإعادة هيكلة الصومال من خلال مؤسساتها الرسمية والمنظمات غير الحكومية، والعمل الذي قدمناه في الصومال والنتائج التي حققناها ستكون مثالا للجميع."

وقال أردوغان إنه "وفقا للإحصاءات النهائية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2016، فإن بلدنا تحتل المرتبة الثانية في المساعدات الإنمائية البشرية بمبلغ وصل إلى 6 مليارات دولار، وتركيا تحتل المرتبة 17 كأكبر اقتصاد في العالم، حيث وصلت نسبة المساعدات الإنمائية بالنسبة للدخل الوطني 8 بالألف، وفي هذا الإطار فإن تركيا إحدى الدول الست التي يمكنها أن تحافظ على أهداف الأمم المتحدة."

وأكد أردوغان أن تركيا تعمل بكل ما بوسعها من أجل تحقيق هدف "العالم المستدام" الذي يشكل الرسالة الرئيسية للجمعية العامة.

وأكد الرئيس أردوغان أن "تركيا في صراع شرس مع المنظمات الإرهابية الدموية الأكثر تأثيراً في المنطقة مثل حزب العمال الكردستاني، ومنظمة "داعش" اللذَين يتغذيان من عدم الاستقرار في سوريا والعراق"، وقال أيضا إن "الحرب ضد المنظمة الإرهابية (FETÖ) التي تسعى إلى تغيير النظام الشرعي الديمقراطي للبلاد مستمرة."

وأشار إلى أن عملية درع الفرات عملت على تطهير 243 حي سكني وأكثر من ألفي كيلومتر من تنظيم "داعش"، ومن خلال العملية تم تحييد ما يقارب 3 آلاف من مقاتلي "داعش"، وأن ما يقارب 100 ألف من السوريين عادوا إلى مناطقهم.

ولفت أردوغان إلى أن "القوى والمجموعات التي تدعي محاربة "داعش" تقوم بتمرير أجندتها الخاصة، وإن الجهود التي يبذلها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب PYD-YPG لتغيير الديمغرافية ومصادرة ممتلكات الشعب وقتل ونفي المعارضين لهما، هي ذنب الإنسانية، وإذا لم يتم إيقافهما فإن العالم سيكون تحت تهديد "داعش" جديد."

وأضاف أن "هناك منهج مماثل في العراق، فإن مطالب الاستقلال، سوف تخلق أزمات وصراعات جديدة في المنطقة، ومن هنا أدعو الحكومة الإقليمية الكردية العراقية إلى التخلي عن هذه المبادرة، ولنعمل معاً من أجل بناء السلام والأمن والاستقرار في المنطقة."

ونوه أردوغان إلى أن "كل التطورات والمآسي الإنسانية تؤكد أحقيتنا كتركيا في الدعوة لإعادة هيكلة مجلس الأمن تحت شعار "العالم أكبر من خمسة" الذي جعلناه رمزا"، محذرًا من "جهود تبذل لإنشاء منظمات إرهابية في سورية والعراق وليبيا واليمن"، وداعيًا إلى دعم الإدارة الشرعية في ليبيا من قبل المجتمع المدني مما سيسهم في استقرار البلاد.

وأكد على أن الأخطاء التي ترتكب في سوريا والعراق يجب ان لا تتكرر مرة أخرى في ليبيا لأنها سوف تواجه أوروبا والعالم تهديدات أكبر. وقال إن الصراع الذي بدأ في منطقة الخليج يجب حله في أقرب وقت، "وأولا قبل كل شيء نعتقد انه ينبغي إلغاء العقوبات التي تؤثر سلبا على الظروف المعيشية لشعب قطر، وأود أن أعرب هنا عن تأييدنا لجهود الوساطة التي اتخذها أمير الكويت الشيخ الصباح."

وأشار أردوغان إلى أن المملكة العربية السعودية هي بمثابة الأخ الأكبر لمنطقة الخليج، معربًا عن أمله في "أن تظهر الإرادة الصادقة في حل المشكلة".

وتحدث الرئيس التركي عن قضية القدس والحرم الشريف وآخرها الأزمة في شهر تموز/ يوليو التي أظهرت مدى حساسية المشكلة، وأوضح أن استمرار عملية السلام لن يكون ممكنًا إلا بوقف الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية واتخاذ خطوات من أجل حل الدولتين، داعيًا المجتمع الدولي إلى "دعم إخواننا الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، في كفاح الدولة الفلسطينية لوحدة أراضيها".

وأشار إلى منطقة محتملة للأزمات وهي منطقة البلقان فقال: "نحن نولي أهمية كبيرة لإدماج بلدان البلقان مع المؤسسات الأوروبية-الأطلسية، وسنواصل أداء واجبنا من أجل ضمان السلام والاستقرار والازدهار في هذه المنطقة. وإن توفير السلامة الإقليمية لأذربيجان وجورجيا في جنوب القوقاز هو مفتاح الاستقرار الإقليمي، ولهذا السبب يتعين علينا جميعا أن نسعى جاهدين أكثر لحل النزاعات في قراباغ و أبخازيا وجنوب أوسيتيا."

نحن ضد كل أنواع الأسلحة النووية

قال الرئيس التركي: "إننا ضد كل أنواع الأسلحة النووية التي شغلت الأجندة الدولية في الأيام الأخيرة، ولا يمكننا أن نتغلب على مشاكل الأسلحة النووية الإقليمية والعالمية من دون التطهير الشامل للعالم من الأسلحة النووية".

وأعرب عن أسفه لأن عملية المفاوضات الشاملة التي بدأت في قبرص عام 2008 لم تنجح بسبب عدم فعالية الجانب القبرصي اليوناني، مضيفًا: "سنقدم ما بوسعنا لضمان خدمة الموارد الطبيعية المكتشفة في شرق المتوسط للسلام والاستقرار والازدهار، ونحن مستعدون لتقديم المقترحات لحل القضايا التي تخدم حقوق القبارصة الأتراك."

وتطرق إلى أعمال العنف والتطهير العرقي بحق الأقلية المسلمة في منطقة أركان بميانمار، حيث يعيش القرويون المسلمون في فقر شديد، ويتم هضم حقوقهم القانونية، ويجبر مئات الآلاف منهم على الهجرة إلى مخيمات بنغلاديش التي بالكاد تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية.

وأكد أردوغان أن المجتمع الدولي فشل في مواجهة التحديات الإنسانية التي يواجهها مسلمو أراكان كما فشل قبل ذلك بسوريا أيضا، محذرًا من أنه "في حال لم يتم التصدي لمأساة الروهنغيا في ميانمار فإن ذلك سيبقى وصمة عار في تاريخ البشرية." وأشار إلى زيارة عقيلته وابنه والوفد المرافق لهم لمخيمات بنغلاديش ضمن إطار زيارة إنسانية للاطلاع على أوضاع مسلمي الروهينغا وتقديم المساعدات الغذائية والاحتياجات الأخرى إليهم.

وأشار إلى أن وكالة التعاون والتنسيق "تيكا" هي الوحيدة التي تنفذ الأنشطة الإغاثية في ميانمار، بالإضافة إلى المنظمات التركية الأخرى كآفاد والهلال الأحمر التركي والمؤسسة الدينية والمنظمات الإنسانية غير الحكومية. ودعا أردوغان إلى الاستعجال في إعادة هيكلة مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، وقال: "إن كل التطورات والمآسي الإنسانية تؤكد أحقيتنا كتركيا في الدعوة لإعادة هيكلة مجلس الأمن تحت شعار "العالم أكبر من خمسة". ونحن بوصفنا ممثلين للعالم أجمع، إذا لم نتمكن من وضع إرادة لمنع قتل المنظمات الإرهابية والأزمات الإنسانية والمظالم، فإن الجميع يسعى إلى إيجاد سبل الحل لأنفسهم وبالتالي فإن عالمنا ينجذب إلى الفوضى والقسوة والاستبداد."

وأوضح أن تغيير الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة يجب ان يقوم على نظام تناوب لكل 20 عضوًا يتجدد كل عامين، مضيفًا: "نحن نستطيع أن نمثل كل دول العالم وبهذا يكون مجلس الأمن في المستوى المطلوب"، وتابع قائلًا إن العالم تغير كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك لا ينبغي أن يحكم العالم من خلال خمسة أعضاء دائمين فقط، بل يجب أن تشارك جميع الدول في مجلس الأمن.

واختتم الرئيس أردوغان كلمته قائلا: “أريد أن أذكركم بأنه مهما كان لون بشرتنا أو عيوننا فإن دموعنا واحدة، وأدعو الجميع إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة في أقرب وقت لإيقاف تدفق الدموع في مختلف أنحاء العالم، وآمل أن يسهم عمل الجمعية العامة الثانية والسبعين في هذا الاتجاه، وباسمي وباسم بلدي أحيي جميع الدول والشعوب تحت سقف البرلمان المشترك للبشرية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!