إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

في عامها السادس ما تزال الحرب السورية في قلب التوترات الجيوسياسية وتنافس القوى. ومن المفترض أن يتبع الهزيمة القريبة لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية في الأراضي السورية، حلٌ سياسي ينهي الحرب ويؤدي إلى إقامة حكومة ديمقراطية تشمل جميع السوريين. والسؤال الأهم في هذه المرحلة هو هل يمكن لعملية جنيف أو الأستانة أن توصل إلى هذا الحل، وكيف.

على مدى العامين الماضيين، أصبح جميع أصحاب المصلحة الإقليميين والعالميين الرئيسيين جزءا من الصراع السوري بطريقة أو بأخرى. ومع إخفاق إدارة أوباما في اتخاذ أي إجراء جدي ضد النظام السوري، حتى بعد استخدام الأسلحة الكيميائية، التي كانت توصف بالخط الأحمر، في الغوطة، رأى التحالف الروسي الإيراني فرصة جيوسياسية لدخول الأراضي السورية. ولم تكن النتيجة اتساع نطاق النزاع السوري فحسب، بل إطالة أمده المدمر بأعمال وحشية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، كما لا يمكن النظر إلى الارتفاع الصارخ لداعش في الأراضي السورية بمعزل عن هذا الإخفاق الهائل في وقف المذابح التي ارتكبها نظام الأسد.

يظهر الوضع الحالي على النحو التالي: يركز الأمريكيون على الحرب داعش وتسليح حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، من أجل هذه الحرب. والآن بعد أن هزموا داعش إلى حد كبير في الرقة وأماكن أخرى باستخدام ما أطلق عليه "السر القذر"، فإنهم يبحثون عن أعذار جديدة للالتزام بسياستهم الحالية، على الرغم من التأكيدات التي أعطوها لتركيا بأن علاقتهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي - وحدات حماية الشعب هي علاقة مؤقتة وعابرة. وتكشف تفاصيل الصفقة التي عقدوها بالسماح لمئات من مقاتلي داعش الإرهابيين بالخروج من الرقة، تكشف مرة أخرى البؤس المطلق لسياسة دعم منظمة إرهابية لتحارب أخرى. والسؤال المثير للقلق الذي لا يريد أحد في واشنطن أن يطرحه هو من يمنع هؤلاء الإرهابيين الذين أطلقوا من الرقة من أن يصبحوا الانتحاريين المقبلين في إحدى العواصم العالمية الكبرى.

وعلاوة على ذلك، تتزايد التقديرات بأن الولايات المتحدة تستخدم كلا من داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي - وحدات حماية الشعب ذريعة للبقاء في شرق سوريا كقوة موازية محتملة في مواجهة الوجود الروسي الإيراني. ويشير بعض المحللين إلى كميات ضخمة من المعدات العسكرية المرسلة إلى شرق سوريا والعدد الكبير من المواقع العسكرية الأمريكية في المنطقة، ويستنتجون من ذلك أن الولايات المتحدة تسعى للبقاء في شرق سوريا على المدى الطويل. وأيا كانت نوايا الولايات المتحدة وخططها، فإن السياسة المضللة بدعم فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا لن تؤدي إلا إلى تفتيت وحدة أراضي سوريا ووحدتها السياسية التي يتوقع أن تتحقق في نهاية عمليتي جنيف وأستانا الحالية، كما أن هذه السياسة ما تزال تشكل تهديدا للأمن القومي  للبلدان المجاورة. وما زلنا نرى أن تفي الولايات المتحد  بوعودها بقطع العلاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي- وحدات حماية الشعب بعد تطهير الرقة من داعش.

لا يحارب الروس والإيرانيون داعش إلا بهدف الإبقاء على نظام الأسد في السلطة، ويرون أنهم هم المنتصرون في الحرب على مدى العامين الماضيين؛ لأنهم حموا نظام الأسد من الانهيار، وقضوا على تهديد داعش الإرهابي، وأضعفوا المعارضة المناهضة للأسد، وحققوا مكاسب جيوسياسية ضخمة في مواجهة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

كان موقف تركيا واضحا على الدوام ويمكن تلخيصه على النحو التالي: وجوب الحفاظ على وحدة الأراضي السورية في أي حل سياسي كبير، وضرورة تطهير الأراضي السورية من جميع عناصر الإرهاب، وفي الوقت نفسه يجب على جميع المقاتلين الأجانب سواء كانوا يقاتلون إلى جانب النظام أو حزب الاتحاد الديمقراطي - وحدات حماية الشعب وغيرهم أن يغادروا سوريا، ووجوب تشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع أصحاب المصلحة السوريين وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ووجوب صياغة دستور جديد يعكس إرادة جميع السوريين وآمالهم  نحو الديمقراطية والحرية وسيادة القانون والمساواة للجميع.

ما تزال مسألة حزب الاتحاد الديمقراطي -وحدات حماية الشعب خطا أحمر لتركيا، ولا يمكن أن يكونا  جزءا من أي حل سياسي؛ لأنهما الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهي منظمة تصنفها تركيا والولايات المتحدة وأوروبا وغيرها منظمة إرهابية. ومن غير اللائق، على أقل تقدير، للشعب السوري تقديم هؤلاء بوصفهم ممثلين للأكراد السوريين. هناك كثير من الأكراد الذين لا ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني ويعارضون أيديولوجيته وقمعه السياسي، وقد عانوا كثيرا منه ومن أجنحته في سوريا، ولكن لا يكاد يكون لهم صوت في المناخ السياسي الحالي. وينبغي أن يعطوا المكان الذي يستحقونه من أجل مستقبل سوريا.

يبقى مصير بشار الأسد قضية محل خلاف، ولكن من الواضح أنه ليس الشخص الذي يقود سوريا إلى حكم ديمقراطي وشامل. وبالنظر إلى جرائمه بحق الشعب السوري، فإنه لا يمكن أن يعهد إليه بمهمة لم شمل السوريين. يجب أن لا يكون للأسد مكان في مستقبل سوريا، ويجب على الروس والإيرانيين أن يدركوا أن إبقاء الأسد في السلطة ليس هو السبيل لحماية مصالحهم في سوريا.

ستتناول القمة الثلاثية التي تجمع بين الرئيس رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وحسن روحاني يوم 22 نوفمبر فى سوتشي هذه القضايا الرئيسية. وهذه القمة امتداد لعملية أستانا ومكملة لجنيف وليست بديلا لها. وإذا كان على هاتين المنصتين، جنيف وأستانا، أن تحققا نتائج ملموسة ودائمة، فإن على جميع أصحاب المصلحة المساهمة بهدف حماية سلامة أراضي سوريا وتوفير الحرية والسلامة لجميع السوريين ضمن معايير قرار مجلس الأمن رقم 2254. لقد مر الشعب السوري بمعاناة لا توصف على مدى السنوات الست الماضية، ولا ينبغي أبدا نسيان هذه الملحمة البشرية في خضم التنافس الجيوسياسي.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس