محمود حاكم محمد - خاص ترك برس

بعد أن كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد أن الانتخابات ستقام في وقتها المحدد (أي في نوفمبر/ تشرين ثاني 2019) كرفض لطلب المعارضة التركية (حزب الشعب الجمهوري) بالتوجه نحو انتخابات مبكرة، أعلن دولت بهتشلي زعيم الحركة القومية خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه وبشكل غير متوقع عن رغبة حزبه في إجراء انتخابات مبكرة وافق عليها أردوغان عقب القمة التي أجراها مع بهتشلي. فما الذي جعل أردوغان يغير رأيه؟ وهل الوضع خطير لدرجة إجبار أردوغان وعلى غير عادته، أن يتوجه لانتخابات مبكرة؟ وهل فعلا سينتهي عهد أردوغان مع هذه الانتخابات عبر المرشح المشترك للأحزاب المعارضة، كما تدعي؟

منذ عدة شهور كان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم يطالب أردوغان بالتوجه لانتخابات مبكرة وذلك لأسباب داخلية وخارجية أبرزها:

* الضغوط الدولية التي يواجهها أردوغان وحكومة العدالة والتنمية من قبل بعض دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي وأمريكا بسبب قصر المدة المتبقية للانتخابات (التي كان من المخطط إجراؤها عام 2019) وتطلعاتها لتغير السلطة في البلاد. حيث أن تمديد مدة حكم أردوغان لمدة 5 سنوات عبر الفوز بالانتخابات الرئاسية المبكرة، سيجعل تلك الدول تخفف ضغوطها لأنها ستكون مجبرة على التعامل مع أردوغان لفترة رئاسية أخرى، إضافة إلى تقوية الموقف التركي في مسألة تأمين حدودها مع سوريا أمام الجانب الروسي.

* الخطة الغربية الأمريكية الممنهجة والتي تكمن في رفع سعر الدولار دولياً لينعكس ذلك سلبيا على الاقتصاد التركي وارتفاع معدل التضخم مما يؤدي إلى تراجع في نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية. حيث أن الضربة السخيفة التي قامت بها الدول الثلاث (أمريكا وإنجلترا وفرنسا) ضد الأسد، روجت على أنها ستكون بداية حرب بين روسيا وأمريكا جزء من هذه الخطة.

* الخشية من اتفاق جميع الأحزاب المعارضة على مرشح مشترك يستطيع فعلا منافسة أردوغان. حيث أن هناك حملة تسير بقيادة حزب الشعب الجمهوري تدعو إلى (Erdoğan’sız Türkiye) أي "تركيا بلا أردوغان" بمعنى أن الهدف الرئيسي للمعارضة والدول الغربية هو إبعاد الرئيس االتركي أردوغان عن السلطة لكي يتم بعد ذلك إعادتها تحت عصى الطاعة. هذه الخطة ليست بخطة جديدة حيث أنه خلال عهد السلطان عبدالحميد الثاني نُودي إلى حملة "دولة عثمانية بلا عبد الحميد" تم بعد النجاح في تطبيقها القضاء على الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة وتأسيس دولة تسير على نهج الدول الأوروبية. والحقيقة أن الأحزاب المعارضة قد اتفقت على ذلك المرشح الذي سنذكره لاحقا.

أما بالنسبة إلى خطورة الموقف، فالوضع والوقت ليس في صالح أردوغان. والسبب الرئسي هو الارتفاع السريع الذي جرى في الفترة الأخيرة لسعر الدولار والذي تسبب بموجة غلاء وارتفاع في الأسعار إضافة إلى التي حصلت بسبب المحاولة الانقلابية الفاشلة 15 يوليو/ تموز 2016. وغلاء المعيشة تظهر انعكاساته السلبية بشكل ملموس تجاه أصحاب الدخل المتوسط والضعيف. وعامة الناس يُحمّلون أردوغان والحزب الحاكم في تركيا مسؤولية ارتفاع الأسعار غير مدركين المخطط الغربي ضد تركيا. وبالطبع سيوافق هذا الاستياء الشعبي الناتج عن غلاء المعيشة تراجع في نسبة التأييد. لذا فتأخير الانتخابات حتى نهاية العام القادم لن يكون في صالح أردوغان الذي يجب عليه أن يجد حلولا اقتصادية تقوي العملة التركية أمام الدولار، على الأقل حتى حين إجراء الانتخابات حتى لا يؤدي ذلك إلى تراجع كبير في أصوات الحزب كما حدث في انتخابات يونيو/ حزيران 2015.

المرشح المشترك الذي اتفقت عليه أحزاب المعارضة هو رئيس الجمهورية التركية السابق عبدالله غُل. والشخص الوحيد الذي كان يعارض هذا المرشح هو زعيمة الحزب الصالح ميرال أكشينار حيث أنها كانت تطمح لأن تكون هي المرشح المشترك. ولكي توافق أكشينار على التنازل عن ذلك المنصب لصالح غُل، قام حزب الشعب الجمهوري بجعل 15 نائباً من حزبه يقدم استقالته وينضم إلى صفوف الحزب الصالح وذلك لكي يتمكن الأخير من المشاركة في الانتخابات المبكرة.

هذه المنافسة التي ستجري بين أردوغان وغُل في السباق الرئاسي لن تكون سهلة حيث أن كل حلف سيعمل كل ما في وسعه لفوز مرشحه في الانتخابات، وذلك لأن الخسارة ستكون بمثابة التقاعد عن السياسة لكلا المرشحين بل لرؤساء الأحزاب المؤيدة له. بمعنى في حالة فوز غُل سيؤدي ذلك إلى استقالة أردوغان وبهتشلي وانتهاء حياتهما السياسية، ومن ناحية أخرى فوز أردوغان سيعيد غُل إلى تقاعده السياسي إلى جانب استقالة كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري وتمل كارامولا أوغلو زعيم حزب السعادة، من منصبهما.

عن الكاتب

محمود حاكم محمد

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس