حقي أوجال - ديلي صباح

في الواقع كانت قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس بلتوانيا في جوهرها احتفالاً بتركيا، ولكن ليس السبب وراء هذا الاحتفال الذي فاضت به وسائل الإعلام الغربية، مثل صحيفة بيلد الألمانية وصحيفة الغارديان البريطانية، هو موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو، لأن تركيا لم تستسلم بعد للضغط الجماعي للموافقة على دخول السويد في التحالف غير المجدي الذي يُدعى "الناتو"، حيث لم يوافق البرلمان التركي على عملية الانضمام بعد.

لكن أعتقد أنه بسبب بعض الأشياء المعجزة التي حدثت في فيلنيوس، فإن شركاء تركيا في الناتو وشركاء الاتحاد الأوروبي المستقبليين، قد عاشوا حالة تنوير غير متوقعة حول تركيا الحليف العسكري، بعد أن كانوا قد قرروا أنهم لن يبيعوا حتى مصباحاً أمامياً بسيطاً للمركبات العسكرية التركية خشية أن تستخدمها تركيا ضد ما يعتقدون أنه حقوق الإنسان للأقلية الكردية التي هي في الواقع تمرد مسلح وإرهاب ضد الشعب الكردي والعربي والفارسي والتركي في تركيا والعراق وإيران وسوريا.

واليوم وافقوا هم أنفسهم على إسقاط اعتراضاتهم على مبيعات المعدات العسكرية إلى تركيا والحظر غير المعلن ضد عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لا يزال يحتفظ بعذر "الشرطي الجيد والشرطي السيئ" في الخزانة، شبه تأمين بشأن بيع طائرات Block 70 / 72s وطائرات F16 من الجيل الرابع.

وعلى مدى سنوات عدة، طلبت تركيا شراء ما قيمته 20 مليار دولار من مقاتلات F16 وما يقرب من 80 مجموعة تحديث لطائراتها الحربية الحالية، لكن إدارة بايدن كانت تماطل بالطلب منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إذ يريد المحافظون الجدد في إدارة بايدن أن تتخذ تركيا موقفاً أكثر عدوانية تجاه روسيا.

ومن ناحية أخرى، يريد السناتور بوب مينينديز أن تكون تركيا أقل عدوانية تجاه "حلفاء وجيران الناتو" قبل رفع معارضته لبيع الطائرات المقاتلة F16. وتعني عبارة "حلفاء وجيران الناتو" في لغة بوب، اليونان والقبارصة اليونانيين. فهو لا يزال يؤمن بوجود "جمهورية قبرص" التي ألغيت عندما احتل المجلس العسكري اليوناني جنوب قبرص وأطاح بالحكومة المنتخبة في 15 يوليو/تموز 1974. وأي إشارة من قبل الحكومة التركية إلى الكيان التركي في شمال قبرص تعتبر "موقفاً عدائياً" ضد تلك الدولة غير القائمة. وبالمناسبة، فإن المتحدرين من اليونان هم غالبية ناخبي أعضاء الكونغرس في نيو جيرسي.

عضوية الاتحاد الأوروبي

شيء معجز آخر حدث في فيلنيوس هو أنه عندما أُعلن أن تركيا وافقت على دعم طلب السويد لدخول حلف شمال الأطلسي مقابل تعاون أعمق في القضايا الأمنية، وجاء وعد من السويد بإحياء سعي تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، أضاف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أنه يدعم عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

حسناً! عندما أقول "لقد وافقوا على إسقاط اعتراضاتهم" ، لا ينبغي أن يؤخذ ذلك كما لو أن هذه المعدات العسكرية موجودة على ظهر سيارة الشحن أو أن طائرات F16 في طريقها إلى تركياk فإحياء العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي قد أطلق اعتراضات مباشرةk حيث قال رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتز، إن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو فقط على جدول أعمالهم، ولا يعتقد الكثير من مراسلي الصحف الغربية أن "صفقة السويد مع الناتو" يمكن أن تضع تركيا في قائمة أعضاء الاتحاد الأوروبي.

ماذا بقي للاحتفال به؟

أعتقد أننا يمكن أن نتفق على أن السلام الثنائي أو المتعدد الأقطاب على الأرض يعتمد على الحوار. كما أعتقد أيضاً أن التحالفات العسكرية لا تربح من خلال شن الحروب ولكن عن طريق منع الحروب. فقوّتهم الحقيقية تكمن في قدراتهم الرادعة.

والردع هو إستراتيجية عسكرية تستخدم القوة التي تمنع بشكل فعال الهجوم من الخصم، الأمر الذي يتطلب التواصل ليس فقط بالتهديد بالانتقام ولكن بطرق التعاون السلمي بينهما. إنها رواية يمكن تلخيصها على النحو التالي: "إذا هاجمتنا، فسنرد بطريقة تمحوك تماماً من على وجه الأرض!" ومع ذلك، يعمل التهديد فقط على تعميق العداء في المقام الأول.

ويمكن للدول والتحالفات تخصيص المزيد من المصادر للتحصّن من الضربة الأولى وزيادة قوى الردع الخاصة بها وإضافة المزيد من الأعضاء إلى تجمعها، ولكن لا تزال تعتمد على خصومها في الموارد الاقتصادية والمالية الرئيسية. إن "حلف الناتو" الخاص بأوروبا يستهلك كل وقت وطاقة وأموال أعضائه ودولاً أخرى خارج أعضائه، ومع ذلك فإن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي! هذه الحقيقة وحدها كافية لتحويل الناتو إلى فزّاعة أو "رجل قش".

تركيا الآن "تضبط التوازن''

منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، سعت دول الناتو إلى تشكيل جبهة موحدة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ماعدا تركيا. وبدلاً من ذلك، اختار أردوغان إجراء توازن دقيق للإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة. ويرى المحللون أن "تراجع سمعة روسيا العسكرية" كان مفيداً لتركيا التي "تقوم بمعايرة التوازن، لتصبح أكثر صراحةً في تأييدها لأوكرانيا".

ويعتقد العديد من الخبراء والأعضاء السابقين في المؤسسات الدبلوماسية والعسكرية أن نهج تركيا هو الذي يجعل من الناتو قوة ردع حقيقية من خلال توفير قناة مفتوحة لبوتين إذ يمكّن أسلوب أردوغان البراغماتي، الحلف من تقييم الوضع عن كثب، وإذا توافقت مصالح البلدين، فإنه يقنع بوتين بالمضي قدماً. ويصف كيليتش بوجرا كانات، مدير الأبحاث في مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في واشنطن العاصمة، الناتو بأنه بطة عرجاء بدون تركيا: "كل هؤلاء الأشخاص الذين جادلوا خلال السنوات القليلة الماضية بأنه يجب طرد تركيا من الناتو كانوا يتحدثون هراءً".

والآن وقد تطور الاتحاد الأوروبي إلى "منظمة معاهدة الشمال والجنوب والشرق والغرب"، فإنه يفهم مثل نظيره الأطلسي أن تركيا بمثابة نافذة على روسيا. ونظراً لأن الاتحاد الأوروبي قد يكدّس جميع حزم المساعدات الأمريكية المستخدمة و/أو غير المفتوحة على أوكرانيا، فإنه لا يمكنه جعل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإخوانه iالنازيين الجددi من مقاتلي آزوف، يفوزون في أي حرب ضد موسكو. لذلك، عليهم الجلوس حول طاولة في إسطنبول وإقناع الطرفين بصنع السلام. ولكي يعمل هذا بشكل فعال، يجب أن تكون تركيا جزءاً حقيقياً من الاتحاد الأوروبي.

ولم يعد بإمكان أوروبا الاختباء وراء فزاعة "رجل القش" بعد أن وافقت على إعادة فتح مفاوضات العضوية الكاملة مع تركيا. ولا يمكنهم دحض حجج عضوية تركيا الكاملة من خلال إساءة تفسيرها.

وأنا أجزم أنه علينا أن نحتفل بدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول هذا التاريخ من العام المقبل. لقد انتظرنا 60 عاماً كاملةً، ويمكننا الانتظار سنة أخرى.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس