علي أبو هميلة - الجزيرة مباشر

لا تزال الدراما التركية تتألق في رصد الأحداث التاريخية من خلال مجموعة من الأعمال المتميزة إنتاجا وتأليفا وإخراجا، ومن أبرز المسلسلات التي أنتجت في الفترة الأخيرة أعمال درامية مثل المؤسس عثمان، قيامة أرطغرل، القرن الذهبي، والمسلسل الهام خير الدين بربروس، وقد جاء الجزء الأول منه في حلقة تلفزيونية طويلة امتدت إلى أكثر من ساعتين ونصف للحلقة.

في الجزء الثاني من المسلسل يقدم العمل استعداد السلطان سليمان القانوني، الذي خلف والده السلطان سليم الأول في الخلافة العثمانية لمعركة بروزة أهم معركة بحرية في القرن السادس عشر، التي واجه فيها الأسطول العثماني أساطيل سبع دول أوربية فيما عرف باسم التحالف الصليبي المقدس، تلك المعركة التي بدأ الاستعداد لها قبل عامين من حدوثها عام 1537، واستطاع خير الدين بربروس الذي عينه السلطان سليمان قائدا للأسطول العثماني هزيمة أساطيل الدول الأوربية مجتمعة.

المسلسل التاريخي يلقي الضوء على كثير من الأحداث في فترة حكم سليمان القانوني التي امتدت مدة 46 عاما بدءًا من عام 1520، وخاصة فترة استدعائه لبربروس بعد تعاون الملك شارل الخامس ملك إسبانيا مع أندريا دوريا أحد أشهر البحارة الأوربيين ليقود أساطيل الحلف المقدس الذي دعا إليه البابا في روما لهزيمة السلطان سليمان الذي حاول أكثر من مرة فتح إيطاليا مقر البابوية، وما تحقق للدولة العثمانية في عهده من فتوحات في شرق المتوسط وأوربا الشرقية، والخليج العربي، والبحر الأحمر، وإفريقيا، وصار القوة الأوربية الأولى في عالم السياسة.

تبدأ أحداث الجزء الثاني من مسلسل بربروس برسول يستدعيه لمقابلة الخليفة في أمر مهم، ويكلف السلطان سليمان بربروس بالاستعداد لمعركة كبرى لمواجهة حلف شارل الخامس أو شارلكان ملك إسبانيا، ويتم هذا في غياب الصدر الأعظم للدولة العثمانية إبراهيم باشا البرغالي، أو الإفرنجي كما كان يطلق عليه لكون أصله من برغا على ساحل اليونان.

إبراهيم البرغالي مسيحي، التقاه السلطان سليمان في إحدى رحلات صيده، وكان يعزف على الناي، فأعجب السلطان به، وضمه إلى حاشيته، ووصلت العلاقة بينهما إلى حد أن سليمان كان يطلق عليه لقب “الأخ”، وقد أسلم البرغالي بعد ذلك وصار يحظى بثقة كبرى لدى السلطان، وقد تزوّج شقيقته السلطانة خديجة، وقد وصل إبراهيم البرغالي إلى لقب الصدر الأعظم، وقيل إنه كان للسلطان سبع مهام، وصار للبرغالي ستة منها فلم يبق له إلا أن يجلس على كرسي العرش.

يبدو أن تلك السابعة كانت مفتاح النهاية بين السلطان سليمان وصهره وصدره الأعظم إبراهيم البرغالي، وقد اختفى البرغالي قبل عام من المعركة الكبرى مع الأساطيل الأوربية أي عام 1536، ويقال إنه مات خنقًا، وقد قاد البرغالي الجيوش العثمانية في معارك كبيرة وحقق للسلطان انتصارات في العديد من المعارك الحربية، وأخمد عددا من حركات التمرد على السلطان في بلاد الشام، وإيران.

لذا كانت وفاة الصدر الأعظم لغزا محيرا، فقد قيل إنه مات بحكم إعدام من السلطان، وقيل إن السلطان اكتشف خيانته وتطلعه إلى منصبه فأمر بقتله، وحسب مصادر فإنه مات مخنوقا نتيجة لخيانته السلطان وهو يستعد لمعركته الكبرى، ويشير المسلسل إلى تلك الخيانة.

قصص الخيانة من داخل قصور الحكم تتردد دائما في التاريخ وتشير إليها الكثير من الأعمال التاريخية الدرامية، فقد كانت قصص الخيانة والتجسس من أقرب الموجودين في قصور الحكم تتداول وخاصة عندما تقوى الدول، فهناك دائما من تستطيع الدول المعادية إغراءه سواء بوعده بالسلطنة أو الخلافة، أو الرئاسة، ويتم تقريبه من صاحب السلطة حتى يصبح أقرب المحيطين به.

حدث هذا وتسبب في زعزعة كبيرة في الدولة الإسلامية على مدار التاريخ، الواضح أن هذا يتم دائما في صراع بين السلطة في العالم الإسلامي أو العربي، وأطراف غربية أو مسيحية. ولعلنا رصدنا هذا كثيرا في الأعمال التاريخية التي تناولتها في سلسلة هذه المقالات، وكان الجزء الأول من مسلسل بربروس واحدا منها.

رغم أن التاريخ يؤكد أن الخيانة كانت دوما أحد أسباب ضعف الدولة الإسلامية وهزيمتها فإنه يبدو أننا شعوب لا تقرأ التاريخ بعناية.

الواضح أن الدراما التركية تركز على مجموعة من الأهداف التي يجب على صناع القرار في أي دولة ناهضة الاهتمام بها، وتلك واحدة من مهام القوى الناعمة.

أبرز ما قدم من محاور درامية في مسلسل خيرالدين بربروس هو الصراع بين الغرب المسيحي والدولة الإسلامية، وكذلك ظهور الصراع حول فلسطين والقدس فيما سماه الغرب بمعركة أرض الجنة، وهذا محور هام في تناولنا للعمل، ولكن ما علاقة ذلك باختفاء الصدر الأعظم كما جاء في العمل الدرامي؟

عاد أبراهيم البرغالي من الشام والعراق ليجد السلطان قد استدعى بربروس لقيادة الأسطول العثماني في المعركة المرتقبة التي لا يدري عنها شيئًا، إذ يبدو أن السلطان سليمان كان يعد لها سرًّا أو على الأقل لا يكشف تفاصيلها لأحد غير من يوكل إليهما مهمة فيها وهما خير الدين بربروس، والريس بيري الجغرافي الأشهر في تاريخ الدولة العثمانية، وصاحب أهم الخرائط للبحر الأبيض المتوسط.

تظهر شخصية البرغالي الطامعة في الاستيلاء على أوربا وفرنسا، وأن يصبح هو السلطان الأهم في أوربا بعد إفشال المعاهدة بين السلطان سليمان وفرانسو ملك فرنسا الذي يعادي شارلكان، ويتعاون البرغالي مع الصيارفة الأربعين في العالم الذين يتحكمون في العالم عن طريق المال في محاولة هزيمة سليمان الذي يقف ضد طموح صيارفة العالم في إقامة مملكة القدس أو مملكة الجنة الموعودة لليهود الصهاينة.

يبدأ خير الدين بربروس الاستعداد للحرب البحرية الكبرى، وفي كل خطوة يخطوها يجد إبراهيم البرغالي أمامه، يتعاون مع دوريا قائد أسطول التحالف المقدس، ويتعاون مع صرافي العالم المتحكمين في العالم عن طريق الأموال، والمعادين للدولة العثمانية.

يبدأ بربروس ومعه بابا درويش، ويحيى البكاتاشي أخو سليمان في الرضاعة وأحد المقربين منه وهما صوفيان تركيان في كشف البرغالي أمام السلطان سليمان القانوني، ولا يصدق سليمان في البداية، ومع تراكم الأدلة تكون نهاية البرغالي قبل بدء معركة بروزة الكبرى بعام، حيث يأمر السلطان بإعدام الخائن الأكبر الذي يعدّ من أشهر الخونة في التاريخ.

إبراهيم البرغالي الذي أعماه طمعه، فلم يرده أنه كان يربّى في منزل بسيط على يد يونانية مسيحية، وكان لا يعرف أكثر من عزفه على الناي فصار أقرب المقربين من سلطان كان الصدر الأعظم في عصره، فكانت أطماع البرغالي وخيانته للسلطان الذي لم يتوان في مصاهرته بأخته، فخان الأمانة طمعًا في كرسي السلطنة فخسر حياته وآخرته.

من أهم الإشارات في الجزء الثاني من مسلسل خير الدين بربروس، الصراع بين التحالف المسيحي المقدس كما سماه البابا، وشارل الخامس ملك إسبانيا، لهزيمة السلطان سليمان، كما يشير المسلسل إلى حلم الغرب التاريخي بالاستيلاء على القدس التي يسمونها مملكة الجنة، وكيف يسيطر اليهود على العالم عن طريق الأموال والصيارفة، وتلك قصة مثيرة كانت محورا هاما في هذا العمل التاريخي الهام نتناوله في المقال القادم.

عن الكاتب

علي أبو هميلة

إعلامي مصري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس