حقي أوجال - ديلي صباح

يفكر المحللون الغربيون فيما إذا كان بإمكان تركيا إعادة تنظيم علاقاتها مع الغرب، متجاهلين عزلة أنقرة في سوريا ودورها الحاسم في تجنب صراع في البحر الأسود.

حذف جزء كبير من التعليق المرفق لصورة وكالة أسوشيتد برس التي كانت تزين مقالاً بعنوان "هل ستتجه تركيا نحو الغرب مرة أخرى؟" بقلم إريك ماندل، الكاتب في مجلة The Hil، والمقطع المحذوف كان يحتوي على عبارة: "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على اليسار، يسير مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة قادة مجموعة العشرين في نوسا دوا، بالي، إندونيسيا، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. ويشدد مسؤولو إدارة بايدن لهجتهم تجاه تركيا حليفة الناتو، بينما يحاولون إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعدول عن شن هجوم بري دموي ومزعزع للاستقرار… تصوير صورة ناجي/ وكالة أسوشييتد برس".

ولا أعتقد أن ماد ناجي هو من حذف جزء التعليق، إذ أظهر بحث صغير على غوغل أن هذه السطور صاغتها إلين نيكماير، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2022 من بوخارست/ رومانيا، وقد أكملته بهذه السطور: "... القوات الكردية المتحالفة مع أمريكا في سوريا المجاورة".

إذن هذا هو الشيطان الذي نعرفه!! ونحن في تركيا سئمنا المخاوف الغربية المستمرة من الاتجاه الذي ينبغي أن تتخذه أنقرة، رغم أننا ننظر إلى الغرب، ولكننا اليوم لا نراه حيث كان.

عملت إلين نيكماير محللة السياسة الخارجية والأمن القومي في وكالة أسوشيتد برس، لمدة 18 عاماً في الرياض والقاهرة وبغداد وداكار، وهي بتعليقها ذاك تشير إلى عملية مكافحة الإرهاب التركية التي جرت بعد الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم بي كي كي المشؤوم على وسط إسطنبول في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، التي قُتل فيه 6 أبرياء وأصيب وتشوه 81 شخصاً. مع أن الولايات المتحدة هي من اخترع هذا المبدأ لتعقب الإرهابيين الذين يعبرون الحدود إلى ما ورائها.

وقد أيدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سياسة مكافحة الإرهاب هذه، وقاموا بملاحقة الإرهابيين خارج حدودهم إلى البلدان المجاورة. وبينما نقرأ هذه السطور، فإن الولايات المتحدة لديها وحدات لمكافحة الإرهاب خارج حدودها لمطاردة الإرهابيين في العديد من البلدان، وتركيا تفعل ذلك أيضاً.

ومنذ أن قام والد بشار الأسد، حافظ الأسد، بإيواء عبد الله أوجلان، مؤسس وزعيم ميليشيا بي كي كي الدموية في سوريا وتوفير ملاذ آمن لإرهابييه، ظلت تركيا تلاحق إرهابيي بي كي كي في سوريا والعراق. وحددت الشرطة والدرك التركيان معسكرات التدريب والإرهابيين ونفذتا عملية محدودةً لمكافحة الإرهاب، ولم تكن "هجوماً برياً دموياً ومزعزعاً للاستقرار ضد القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في سوريا" كما زعمت إيلين. وكان السؤال آنذاك والآن، لماذا بحق السماء، تتخذ الولايات المتحدة امتدادات لتنظيم بي كي كي، حلفاء لها ضد أي شخص في سوريا؟ لقد حاربت تركيا بالفعل ضد القوى المتطرفة "الوهمية" التي أنشأها باراك أوباما، الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة وفقاً للمرشح الرئاسي آنذاك دونالد ترامب، الذي تم انتخابه لاحقاً ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.

بالمناسبة، تركيا هي الدولة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي التي حاربت داعش وقامت بتحييده في سوريا. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تتحالف مع مجموعة من الإرهابيين لمحاربة مجموعة أخرى من الإرهابيين. لكن هذا موضوع منفصل بقدر ما هو غريب عن الولايات المتحدة وموقعها في سوريا.

والآن، يطرح إريك ماندل سؤالاً حول ما إذا كانت تركيا ستتجه نحو الغرب مرة أخرى، ويشير ضمناً إلى أنها فعلت ذلك من قبل.

فما هي "ذنوب" تركيا؟

يسرد ماندل "ذنوب" تركيا بدءاً من عدم موافقة البرلمان على المرسوم الحكومي بالانضمام إلى حرب جورج بوش في العراق ضد صدام حسين، مشيراً إلى شراء النظام الروسي المضاد للصواريخ إس-400 والتعويض عن مدى توفر الخيارات الغربية لهذا النظام بالرغم من أن طلب تركيا للحصول على أنظمة دفاع جوي، أي نظام باتريوت من شركة رايثيون، قد رفض من قبل الولايات المتحدة مراراً وتكراراً، ما ترك أنظمة إس-400 الروسية خياراً أخيراً للبلاد. ويضيف السيد ماندل ادعاءات قديمة وجديدة حول "تجاوز تركيا للعقوبات الأمريكية" المتعلقة بإيران وروسيا، ويخلص إلى أن "الرئيس أردوغان أخذ أمته إلى اتجاه إسلامي أكثر طائفية، تاركاً وراءه رؤية الأمريكيين المثالية لتركيا كدولة علمانية، وأمة إسلامية ديمقراطية».

وبطبيعة الحال، لا يوجد دليل واحد على أن الأمة دخلت في عملية انجراف "في اتجاه إسلامي أكثر طائفية". وإذا كان الأميركيون يعتقدون أن تركيا تتخلى عن "رؤيتهم المثالية لها"، فلابد أن تركيا تتخلى عن "رؤية الأميركيين المثالية لها"! وليست هناك حاجة لإثبات الادعاء.

وقد وضع السيد ماندل مدير شبكة المعلومات السياسية في الشرق الأوسط، عدة شروط "لإصلاح العلاقة الأمريكية التركية" مثل مراقبة وتنفيذ القيود الأمريكية في تعاملاتها مع روسيا وإيران والتخلص من منظومة إس- 400 وقطع كافة علاقاتها مع حماس.

دور تركيا في منع حرب البحر الأسود

لا أعرف كيف يعمل السيد ماندل في "شركة استشارات ويقدم مشورة لرجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين في الشرق الأوسط"، بمثل هذه النصائح المضللة للطرف الوحيد المتبقي على الساحة. فبعد استسلام فرنسا وتغيير الهند لموقفها بإدارة توازن الحبل المشدود بين الجانبين، تبقى تركيا هي الدولة الوحيدة التي تمكنت من منع حرب البحر الأسود الشاملة. كما تعمل تركيا كوسيطٍ نزيه منذ اليوم الأول لدخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، بالرغم من أنها لم تعترف أبداً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودافعت دائماً عن سلامة أراضي أوكرانيا.

إن دفع تركيا للانضمام إلى القيود الأمريكية على روسيا من شأنه أن يساعد قضية واحدة فقط: فقدان مكانة تركيا باعتبارها الوسيط الوحيد بين أوكرانيا وروسيا، وبالتالي إطالة أمد الصراع الأوكراني وتوسيع نطاقه. وأي شخص ينصح تركيا بالتوقف عن لعب هذا الدور، يأمل أن يتوسع الصراع الأوكراني إلى حرب البحر الأسود التي يمكن أن تدمر وحدة الاتحاد الروسي، وبالتالي تفتح الطريق إلى بكين.

وإذا كنا نرى تركيا باعتبارها استمراراً للعثمانيين والسلاجقة، فيمكننا القول بأمان أن الأتراك وجميع الأشخاص الآخرين الذين كانوا جزءاً من هاتين الإمبراطوريتين العظيمتين كانوا دائماً متجهين نحو الغرب، إما باحتلال تلك الولايات في الغرب، أو تقليدهم في مخططهم الإمبراطوري غير الاستعماري، بالنظر إلى أن السلاجقة والعثمانيين لم يكن لديهم فكرةً عن الوطن الأم في توسعاتهم، بل جاؤوا من الشرق وانتقلوا إلى الغرب ولم يعودوا إلى الوراء أبداً.

وخلال القرنين الأخيرين من حكم العثمانيين والقرن الأول للجمهورية التي حلت محلها، كان الأتراك وشركاؤهم الإمبراطوريون والجمهوريون دائماً يتخذون من "التغريب" وجهة سياسية واقتصادية وثقافية لهم.

حتى تبين أن الغرب لم يكن سوى الولايات المتحدة وأعوانها الذين بدأوا في إملاء شروطهم الخاصة "للانصياع" وليس كشركاء، بل أرادوا أن يتحول الأتراك إلى مجرد دمى مطيعة وصالحة. وكما يقول المثل التركي: "إن تقل تعال يأتي، وإن تقل اذهب يذهب".

حسناً أيها الغرب، هذا ليس الغرب الذي يرغب الأتراك في أن يكونوا جزءاً منه. ولهذا السبب يتمسك الأتراك بالسياسات التي تستهدف الاكتفاء الذاتي في مجالات الطاقة والدفاع والتمويل، بقدر تمسكه بالسياسيين الذين يعدون بتحقيق هذه السياسات.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس