ترك برس

استعرض مقال للكاتب الصحفي التركي طه كلينتش، تساؤلات حول سبب خضوع زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي، لعقوبات كبيرة في بلاده واستياء بعض الأنظمة العربية من نهجه. 

وأكد كلينتش في مقال بصحيقة يني شفق أنه أثناء رحلة قام بها إلى المغرب تلقى خبر الحكم على زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وأن زيارته الأخيرة لتونس كانت قد أتاحت له فرصة تقييم الأجواء السياسية في دول المغرب العربي عن كثب ومقارنتها ببعضها البعض.

وأوضح أنه زار الغنوشي في منزله خلال إحدى رحلاته السابقة إلى تونس وأجرى معهُ مُقابلة أجاب خلالها على أسئلته حول مسارِ الربيعِ العربيِ بِتفاؤل وأمل كبيرين؛ "لدرجة أنّني لم أتمالك نفسي من الدهشة".

وقال الكاتب التركي إنه "عندما يُحكم على شخصٍ تابعته لسنواتٍ طويلة، وتُتيح لك الظروف فرصة لقائه شخصيًا، بالسجن في نهاية حياته في قضية سياسية بحتة، يمرّ أمام عينيك شريط حياته السياسية ومسيرته بأكملها، وتُصبح مشاعرك جزءًا لا يتجزأ من الحدث، شئت أم أبيت".

وجاء في مقال كلينتش:

بينما كنتُ أُجول في شوارع الرباط، أخذت أفكر في مسيرة راشد الغنوشي في تونس منذ عام 2011:

في أعقاب الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، عاد الغنوشي من المنفى الذي عاش فيه لسنوات، وسط تحذيرات من العلمانيين في تونس من أن الإسلاميين لن يُتيحوا لأحد حق الحياة. وفي ظلّ ترقب العالم أجمع، فازت حركة النهضة بالانتخابات في تونس "مهد الربيع العربي"وصعدت إلى السلطة، لكن الغنوشي فضل عدم تولي أيّ منصب سياسي رسمي، واختار دور "الحكيم".

واجهت "النهضة" التي بدأت بآمال كبيرة، تحدياتٍ جادة خلال حكمها، بدءًا من الأزمة الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية، وصولًا إلى البطالة المتفشية. وتسبّبت هذه التحديات في تذمّرٍ شعبي، وتزامنت هذه الأزمات مع اغتيال اثنين من كبار قادة اليسار، وتعرّض قطاع السياحة لضرباتٍ قاتلة بسبب الهجمات الإرهابية.

وبعد قراءة متأنية للمشهد،اتخذّ الغنوشي قرارًا بدخول "النهضة" في الائتلاف الحكومي بعد الانتخابات العامة عام 2014. وأعلن الغنوشي خروج حركة النهضة من إطار "الحركات الإسلامية"ووصفها بأنها "حركة ديمقراطية مسلمة".

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2019، دعم الغنوشي قيس سعيد الذي يقول عن نفسه "رجل القانون"، ليفوز بنسبة 70% من أصوات الناخبين بدعم من حركة النهضة والأحزاب الرئيسية الأخرى.

لكنّ ما حدث بعد ذلك كان مفاجئًا ومحزنًا، فقد اتضح لاحقًا أنّ سعيد ديكتاتور مستبد، حيث قام بتعليق العمل بالدستور وإلغاء كافة المؤسسات الديمقراطية وتأسيس حكمه الخاص، ليعيد تونس إلى ما كانت عليه في زمن ابن علي.

في شهر رمضان الماضي، تمّ اعتقال راشد الغنوشي في منزله ووجهت إليه العديد من التهم، اثنتان منها برزتا بشكلٍ خاص: التحريض على أعمال العنف، وتلقّيه تمويلًا أجنبيًا. ولكن أيّ مراقبٍ لمسيرة الغنوشي وحركة النهضة يدرك أنّ هذه التهم محض هراء وافتراء. ولكن بما أنّ القضايا المرفوعة ضدّه هي مؤامرة سياسية بحتة، فلا جدوى من البحث عن منطق أو اتساق في التهم.

لا يخفى على أحد أنّ بعض الأنظمة العربية التي تُصنّف حركة النهضة ضمن تيار "الإسلام السياسي" تشعر بالاستياء تجاه النهج الذي يمثله راشد الغنوشي. ورغم تحوّل "النهضة" من "حركة إسلامية" إلى "حركة ديمقراطية إسلامية" مع مرور الوقت، يبدو أنّ جميع التحولات الأيديولوجية التي قادها الغنوشي شخصيًا لم تُهدئ غضب هذه الأنظمة العربية.

تساؤلات مثيرة للاهتمام

في ظلّ سيطرة حركة النهضة على المشهد السياسي في تونس، لم تتمكن من حلّ أيّ من المشكلات الجوهرية التي تعاني منها البلاد. ويمكن أن يُعزى ذلك إلى نقص الخبرة السياسية لدى الحركة، بالإضافة إلى تأثير المشكلات البنيوية التي تُعاني منها تونس منذ عقودٍ، والتي تغلغلت في جميع أجهزة الدولة.

واعتمدت الحركة منذ نشأتها على "القائد الكاريزمي" دون ظهور أيّ شخصيةٍ بديلةٍ قادرةٍ على ملء مكان راشد الغنوشي. وبالتالي، لا يوجد ما يدعو للقول بأنّ "بعض الدول شعرت بالخوف من قصة النجاح المُذهلة التي كتبتها تونس".

وبالإضافة إلى ذلك، تغيّرت بعض التوازنات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الحالي: تحسّنت علاقات تركيا مع العديد من الدول. وتمّ رفع الحصار والعزلة عن قطر. ولم تعد جماعة الإخوان المسلمين تُمثل خطرًا.

ولذلك، لا غرابة في طرح الأسئلة التالية: ما هي جريمة راشد الغنوشي؟ وما هو سبب فرض كلّ هذه العقوبات على رجلٍ مريضٍ يبلغ من العمر 82 عامًا؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!