ترك برس

استعرض منشور للكاتب والصحفي المصري جمال سلطان، أبعاد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى القاهرة قبل أيام بدعوة من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

وقال سلطان في منشوره بموقع فيسبوك إن التوجهات الأخيرة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بالعودة إلى استراتيجيته السابقة الشهيرة "صفر خلافات" مع العالم الخارجي، والتي بدأت بروسيا ثم السعودية والامارات ثم اليونان ثم أرمينيا، كان من البديهي أن تمر بمصر، خاصة في ظل تطورات أمنية وعسكرية متسارعة وحروب تتفجر بصورة خطيرة في المنطقة وأخرى في الطريق وتوقعات بأحداث جسام ستشهدها منطقة الشرق الأوسط قريبا قد تعيد تشكيل خارطة المنطقة، إضافة إلى المصالح الاقتصادية التي تشغل بال صانع القرار التركي في الآونة الأخيرة.

وأوضح أن العاصفة التي ضربت علاقات البلدين بعد انقلاب يوليو 2013 استنفذت زخمها بعد أكثر من عشر سنوات كاملة، والموقف التركي السلبي من انقلاب 2013 هو موقف أخلاقي بالمقام الأول، وسياسي بالمقام الثاني، لأن معركة اردوغان الأهم والتاريخية كانت ضد سيطرة العسكر على السلطة في بلده، كما كان اردوغان نفسه يتحسب للخطر نفسه على حكومته داخل تركيا، وهو ما حدث بالفعل في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة 2016، بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الناجح في مصر، لذلك كان من المحال وقتها تصور أنه يتسامح مع انقلاب في دولة إسلامية كبيرة بحجم مصر، غير أن طول العهد بالنظام الجديد في مصر، وإطلاقه أكثر من انتخابات رئاسية وبرلمانية ـ أيا كانت الملاحظات عليها ـ إلا أنها دشنت واقعا سياسيا مدنيا جديدا اعترف به المجتمع الدولي، وأصبح الجميع يتعامل مع سلطات مدنية منتخبة ـ ولو بشبهات تزوير ـ وليست سلطات عسكرية صريحة، ومن الصعب على تركيا ـ وحدها، ودوناً عن العالم كله ـ تجاهل الوضع الجديد أو إدارة ظهرها له، أضف إلى ذلك تلاشي أي معارضة حقيقية أو جادة للنظام الجديد داخل مصر أو خارجها، والمظهر المشين الذي ظهرت به المعارضة المصرية خاصة في تركيا، مما يصعب معه تصور أن يكون موقف حاكم تركيا بديلا عن موقف الشعب المصري نفسه أو قواه السياسية، أو أن يدفع شعبه ثمناً أبدياً نيابة عن شعب لا يريد أن يدفع الثمن.

ولفت إلى أن مصر، باستثناء أي بلد عربي آخر، لها وضع مختلف في الوجدان الشعبي والرسمي للأتراك، وهذا يدركه أي مصري عاش في تركيا، وذلك لأسباب تاريخية واجتماعية وثقافية ودينية يطول شرحها، أما سياسيا واقتصاديا فمصر بالنسبة للحكومة التركية بوابة أفريقيا الأهم ، وأكبر سوق للصناعات التركية في أفريقيا والعالم العربي، وتركيا بالنسبة لمصر حليف تاريخي باستثناء فترة الصدام بعد انقلاب 2013، وقوة عسكرية واقتصادية كبيرة ومؤثرة في المنطقة كلها، بما فيها الحزام المحيط بمصر، كما أن تطور الصناعات الدفاعية التركية منخفضة التكاليف تحتاج إليه مصر كثيرا في الفترة المقبلة التي لا تتحمل خزينتها فيها إنفاقا واسعا على السلاح.

واعتبر أن المعارضة المصرية في تركيا، أو المعارضة التركية في مصر، لا يشكلان أي عقبة تذكر في تنمية علاقات البلدين، وأعتقد أن هذا الملف غير مطروح بالأساس على طاولة المفاوضات، لتراجع خطره وضعف تأثيره خاصة في السنوات الأخيرة، هنا وهناك، العقبة الأهم والأخطر وأزمة كل المفاوضات السابقة هي "ليبيا"، التي ترى مصر أنها حديقتها الخلفية، والكعكة التي لا تقبل شريكا فيها أبدا، وتصر على خروج القوات التركية منها، بينما ترى تركيا أن بقاء قواتها وخبرائها العسكريين هناك ضمانة لمصالح تركية كبرى، اقتصادية وأمنية وثروات غاز شرق المتوسط، ومؤخرا أعلنت تركيا أنها ستفتتح قنصليتها في بنغازي لتصبح حاضرة ليس في الغرب الليبي فقط بل في ليبيا بكاملها من شرقها لغربها، وهذا هو أعقد ملف بين البلدين.

وتابع: "في تقاطعات الأمن القومي، تملك تركيا مفاتيح التأثير في مناطق تمثل هما ثقيلا على صانع القرار المصري، خاصة في القرن الأفريقي، حيث تملك تركيا قواعد عسكرية في الصومال وجيبوتي ـ تركيا هي التي أعادت بناء الجيش الصومالي ـ ولها اتفاقيات دفاع مشترك مع اثيوبيا، وبالتالي يمكنها مساعدة مصر في الوساطة لحل مشكلة سد النهضة والتمرد الأثيوبي، ومن جانبها تملك مصر مفاتيح مهمة في إعادة تقسيم خريطة الطاقة في شرق البحر المتوسط حيث تراهن تركيا على غاز تلك المنطقة لحل معضلة الاحتياج المتزايد للطاقة والذي يستهلك عشرات المليارات من ميزانية الدولة التركية سنويا ، واحتمالات الوصول لاتفاق في هذا الملف كبيرة، نظرا لأن الجانب المصري أيضا سيستفيد كثيرا من هذا الاتفاق في توسيع حقوقه الدولية ومساحة امتلاكه في شرق المتوسط".

وأردف: "أيضا التعاون في الملف الفلسطيني سيحظى بحصة غير قليلة من المفاوضات، فتركيا عززت حضورها في القرار الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة، ولها علاقات قوية مع الأطراف الفلسطينية كافة، سواء السلطة أو حماس، في الضفة أو غزة، غير أن البعد الجغرافي لتركيا عن فلسطين وخاصة غزة، يجعل التنسيق مع مصر ضروريا للغاية لأي حراك تركي من أي نوع".

وقال إن "الملف الاقتصادي المباشر يبقى هو الملف الأكبر والمحوري لتلك الزيارة، والذي يرى الطرفان فيه مصلحة مشتركة لا يجوز أن تعطلها أي خلافات سياسية ، فحجم التبادل التجاري بين البلدين وصل العام الماضي إلى 10 مليارات دولار، وهو الأكبر لتركيا في افريقيا، وتم الاتفاق على وصوله إلى 15 مليار دولار قريبا، ولتركيا استثمارات مباشرة ـ مصانع وشركات ـ في مصر تبلغ 2 مليار دولار، تستوعب عشرات الآلاف من العمالة المصرية، كما أن شركات المقاولات التركية لها أعمال بأكثر من مليار دولار في مصر، وهناك اتفاقيات قديمة ومستمرة للتجارة الحرة بين البلدين واتفاقيات لمنع الازدواج الضريبي وغيرها".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!