ترك برس

عقب إعلان تركيا والصومال توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي يقضي بتكفّل أنقرة بحماية سواحل ومياه البلد العربي، طرحت تساؤلات حول سبب اختيار مقديشو تركيا لهذه المهمة من بين دول أخرى ربما تفوق قوتها أنقرة عسكرياً وسياسياً.   

السفير التركي السابق لتشاد والسنغال وأحد أبرز خبراء أفريقيا في تركيا، أحمد كافاش، أوضح أسباب عدم إمكانية توقيع أي دولة أخرى هذه الاتفاقية مع الصومال قائلًا "عانى الصومال لسنوات طويلة من حروب أهلية مدمرة أدت إلى انهيار السلطة الحكومية. وفي هذه الحروب، دعمت العديد من الدول الكبرى والدول المجاورة أحد أطراف الصراع مما أدى إلى تفاقمه. في المقابل، أكدت تركيا باستمرار دعم وحدة الصومال ووجود الحكومة المركزية وعارضت إعلان استقلال أرض الصومال".

ويرى رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية الأفريقية مصطفى إفه أن العلاقة بين تركيا والصومال "تمتلك عمقا تاريخيا، ويجمع بين الدولتين تاريخ مشترك لمدة 381 عامًا خلال عهد الدولة العثمانية، كما تبلغ قيمة المساعدات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي قدمتها أنقرة لمقديشو مليار دولار، وقامت تركيا ببناء مطارات وطرق ومستشفيات ومبانٍ حكومية، وهناك آلاف الطلاب الصوماليين يدرسون في تركيا، لذلك، تحتل تركيا مكانة خاصة في قلوب شعب الصومال"، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت".

وأضاف "عام 2013، طلبت المملكة المتحدة في اجتماع بلندن دعم استقلال أرض الصومال، لكن تركيا عارضت ذلك، أما الحكومة الصومالية فكانت دائمًا تشعر بالاستياء من المواقف الاستعمارية للدول الأخرى تجاه الثروات الطبيعية والموارد البحرية، لذلك لا أرى أنه من الممكن أن توقّع الصومال هذه الاتفاقية مع دولة أخرى غير تركيا".

ووصف وزير الدفاع الصومالي العلاقات بين البلدين، في مقال سابق له، قائلا: "على الرغم من أن تركيا تعتبر جهة بعيدة عن المنطقة، إلا أنها أظهرت بشكل مباشر ومن خلال سياستها في الصومال أنها قادرة على أداء دور بنّاء في أفريقيا بشكل عام، وبشكل خاص شرق أفريقيا، ومع تطور العلاقات بين البلدين بدءًا من عام 2011، أصبحت تركيا شريكًا لا يمكن تعويضه للصومال".

افتتحت تركيا سفارتها في الصومال عام 1979، لكنها اضطرت لإغلاقها عام 1991 بسبب الحرب الأهلية. وعام 2011، فتحت تركيا أكبر سفارة لها في العالم في العاصمة مقديشو، مما ساهم في تسريع تطور العلاقات بين البلدين.

وحتى الآن، قدمت تركيا مساعدات بقيمة مليار دولار بدون مقابل، كما يبلغ حجم التجارة حاليًا بين البلدين 280 مليون دولار، ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم مع التوقيع على الاتفاقيات الأخيرة.

يقول كافاش "الآن، تأتي تركيا كقوة عسكرية إلى الصومال، ومن المحتمل أن تقوم بحماية المياه الساحلية في خليج عدن باستخدام سفن حربية. وبالطبع، سيؤدي ذلك إلى تغيير في التوازنات، لا أعتقد أن هذه الاتفاقية تم توقيعها فقط بسبب التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، بل لأن منطقة القرن الأفريقي أهم ممر لتجارة السفن في العالم، وجميع الدول مهتمة بها، لذا قد تحدث مزيدًا من التطورات الهامة".

وبموجب الاتفاقية، ستعمل تركيا على حماية ما يقارب 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال، من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة سفن حربية وجنود أتراك، ولم يتضح بعد إن كانت ستتم هذه الحماية في خليج عدن ومنطقة أرض الصومال، حيث سيتم تحديد الوضع بدقة إثر توقيع البروتوكولات الفرعية بعد الاتفاقية الإطارية.

ورغم أن تركيا لا تعترف بصورة رسمية بأرض الصومال، إلا أنها تحتفظ بعلاقات جيدة معها، كما وقعت في فبراير/شباط أيضًا اتفاقية تعاون عسكري مع جيبوتي، إضافة لاتفاقية تعاون مالي عسكري وبروتوكول تطبيق المساعدات النقدية. وهكذا بدأت أنقرة تضطلع بأدوار مهمة في منطقة القرن الأفريقي التي تعتبر حاليًا منطقة أزمات خطيرة.

وفاجأت تركيا والصومال، العالم مؤخراً بتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي تنص على حماية الجيش التركي لسواحل وبحار البلد العربي لـ 10 أعوام، في خطوة تعزز حضور أنقرة بالقارة الإفريقية عموماً في القرن الإفريقي خصوصاً.

وبعد أن تركزت الأنظار على منطقة الشرق الأوسط بسبب استهداف الحوثيين لسفن الشحن التي تمر عبر خليج عدن ومضيق باب المندب، ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جذبت اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال -التي لم تعترف بها أي دولة منذ 30 عامًا لانفصالها عن الصومال- مزيدا من الأنظار إلى هذه المنطقة.

وازدادت حدة التوتر بين الصومال وإثيوبيا الجارتين في القرن الأفريقي منذ التقارب بين إثيوبيا وأرض الصومال، الذي تجسد من خلال توقيع "مذكرة تفاهم" في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، تنص على استئجار إثيوبيا ساحل أرض الصومال الممتد على 20 كيلومترا على خليج عدن لمدة 50 عاما. وبدورها، نددت مقديشو بالاتفاق "غير القانوني".

وأكدت سلطات أرض الصومال أنه مقابل هذا المنفذ إلى البحر، ستصبح إثيوبيا أول دولة تعترف بها رسميا، وهو ما لم يفعله أي جانب منذ أعلنت هذه المنطقة الصغيرة -التي يبلغ عدد سكانها 4.5 ملايين نسمة- استقلالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991.

وفي 8 فبراير/شباط الجاري، زار وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور أنقرة لتوقيع "اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي" مع نظيره التركي يشار غولر. وفي 21 فبراير/شباط أعلن وزير الإعلام الصومالي داود عويس على موقع "إكس" أن "هذه الاتفاقية مع تركيا تمت الموافقة عليها بسرعة في الحكومة والبرلمان".

وتكشف كل هذه التطورات السريعة بوضوح عن وجود مستجدات هامة جدًا في منطقة القرن الأفريقي، مع احتدام التوتر بشكل واضح، ويرى الكثير من الخبراء والصحفيين والدبلوماسيين أن التوقيع المفاجئ على هذه الاتفاقية الهامة بين تركيا والصومال أمرٌ مثير للدهشة ويطرح العديد من التساؤلات.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!