محمود عثمان - خاص ترك برس

بدعم غير مباشر من حزب الحركة القومي حسم مرشح حزب العدالة والتنمية "عصمت يلماز" منافسات سباق رئاسة البرلمان للدّورة الخامس والعشرين لصالحه بالحصول على 258 صوتا، متقدما على منافسه مرشح حزب الشعب الجمهوري "دينيز بايكال" الذي حصل على 182 صوتًا.

إن عملية انتخاب رئيس البرلمان مرحلة دستورية وعقبة سياسية تم انجازها وتجاوزها بسلاسة ويسر. لكن جميع المؤشرات تدل على أن فك شفرة التعقيد الذي أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية التي تمت في السابع من شهر حزيران/ يونيو الماضي لن تكون بنفس السهولة، فما زالت مواقف الأحزاب الأربعة كما هي لم تتغير، بل إن ارتفاع وتيرة تصريحات القادة تؤكد أن مهمة تشكيل الحكومة ستكون أصعب مما هو متوقع.

كثيرا ما تخوض الفرق الرياضية مسابقات تأتي أهمية نتائجها في الدرجة الثانية عندما تكون هناك مباريات أخرى تشكل نتائجها أهمية أساسية في صعود الفريق إلى البطولة أو خروجه من التصفيات حتى لو ربح جولة أو جولتين.

صحيح أن الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان تبدو منهمكة في استحقاق تشكيل الحكومة، والظهور أمام المواطن التركي بأنها لن تتهرب من تحمل المسؤولية السياسية وأنها تريد لعب دور ايجابي بناء، لكن اهتمامها الأساسي منصب في الوقت نفسه على فرضية حصول الانتخابات المبكرة التي تحتل الأولوية القصوى في سلم اهتمام السياسيين، وتشغل الحيز الأكبر من وقتهم . حيث الجميع يحسب خطواته وتحركاته، ويزن كلامه وتصريحاته، ويضع خطته ويبني تكتيكاته واستراتيجيته المستقبلية واضعا في حسبانه استرضاء الناخب الذي سيرجع إليه خلال فترة يبدو أنها لن تطول.

من جهته يدخل حزب العدالة والتنمية مرحلة تشكيل الحكومة متسلحا بأغلبية برلمانية مريحة تمكنه من توجيه دفة البرلمان إلى الوجهة التي يريد، كما أن انتخاب رئيس البرلمان من كتلته يشكل عامل قوة إضافي. لكن الأهم من ذلك كله وهذا ما يرعب بقية الأحزاب هو ارتباطه الذي لم ينفك بعد مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. لذلك فإن غالبية الأحزاب تحجم عن الدخول في ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية الأمر الذي يجعلها محصورة وسط هذه القوى.

أما حزب الشعب الجمهوري فهو أشد الأحزاب حاجة لدخول الحكومة لأنه ابتعد عن السلطة وإدارة الدولة مدة تزيد عن عقدين من الزمان كانت كافية لتصفية كوادره من مركز القرار. لكن سقف خطابه المعادي لشخص رئيس الجمهورية، وأسلوبه الاستفزازي، ووعوده الانتخابية الخرافية – حيث وعد بزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة تزيد على 50% - التي تعجز عنها خزينة الدولة، وسياسته الخارجية خصوصا ما يتعلق بالقضية السورية تقلل من فرص دخوله في حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية.

بالمقابل هناك مخاوف حقيقية لدى زعيم حزب الحركة القومية من أن تؤدي مشاركتهم في حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية إلى تراجع شعبية الحزب، حيث لم ينس مرارة تجربة مشاركته في الحكومة الائتلافية برئاسة بولنت أجاويد، التي تسببت في تراجع شعبية الحزب بشكل كبير أدى إلى تعثره في تجاوز حاجز الـ10 بالمائة في الانتخابات البرلمانية عام 2002 التي أعقبت تلك المشاركة.

لكن هناك رأيًا عامًا يضغط بشكل قوي باتجاه تشكيل حكومة ائتلافية من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الغالبية تميل إلى حكومة ائتلافية بين هذين الحزبين المتقاربين قاعدة شعبية وبرنامجا سياسيا. لكن علينا أن لا نغفل دور الكيان الموازي - جماعة فتح الله غولن - التي قدمت لهذا الحزب مرشح رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان أكمل الدين إحسان أوغلو، إذ يقال أنه – الكيان الموازي - يحتفظ بسجل من عدة ملفات محرجة لكثير من السياسيين يستخدمها ضدهم إن هم خرجوا عن بيت الطاعة، وأنه يخبئ للسيد "دولت بهجلي" رئيس حزب الحركة القومي ملفات تقلل من خياراته بالشراكة مع حزب العدالة والتنمية. طبعا على ذمة كواليس السياسة.

أما حزب الشعوب الديقراطي فواضح أنه اختار البقاء في صفوف المعارضة، ربما لأن آلية اتخاذ القرار فيه معقدة إلى حد كبير حيث لا بد من توافق جهتين رئيسيتين بالإضافة لقيادة الحزب المتعدد الرؤوس، فهو من جهة مضطر لأخذ رأي الزعيم التاريخي عبد الله أوجلان القابع في السجن، والذي بات يمثل جناح الحمائم. كما أنه مضطر لسماع رأي القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني في جبل قنديل التي تشكل جناح الصقور بما تملكه من قوة عسكرية لا زالت تحتفظ بكافة عددها وعدتها، ناهيك عن المراهقة السياسية التي تميز أداء رئيسه صلاح الدين دميرطاش، مما يجعل الشراكة السياسية مع هذا الحزب أمراً غير مضمون العواقب.

هذه حسابات الأحزاب السياسية وتلك هي خياراتها حيث تبدو الشراكة في حكومة ائتلافية مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب بالنسبة للأحزاب الثلاثة، فيما يظهر حزب العدالة والتنمية أكثر حرية، وأوسع مناورة، وأقل تشنجا لأنه ليس مضطرًا للتحالف مع أي حزب آخر، فهو إن لم ينجح في تشكيل حكومة ائتلافية حسب شروطه فإنه لن يتردد في اللجوء إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى، حيث كافة المؤشرات تشير إلى ارتفاع شعبيته في ظل تزايد الاستياء في صفوف الناخبين من حالة الغموض وعدم الاستقرار السياسي.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس