ترك برس

استعرض مقال تحليلي للخبير والمحلل السياسي التركي نيدرت إيرسانال، التحالفات العلنية والسرية التي تعقدها القوى الكبرى في إطار النظام العالمي الجديد.

وأشار إيرسانال في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن خبراء السياسة الخارجية والعلاقات الدولية رفضوا في البداية العلاقات بين موسكو وبكين بشكل كامل تقريبا، بل وذهب البعض إلى حد القول بأنها "غير ممكنة". وبالرغم من وجود أسباب تاريخية بل واستراتيجية لهذا التقييم، إلا أنه سرعان ما اتضح أنه لا يعكس الواقع، واعترف به الخبراء أنفسهم.

وقال إنه كانت هناك بالفعل علاقة استثنائية، ويمكننا أن نتسامح قليلا مع عدم فهمها في البداية، لأن "عتبة النظام العالمي الجديد" لم تكن مفهومة. و لسبب ما اعتبرت ديناميكيات التحول غير موجودة. على العكس من ذلك، لا يمكننا وصف تحالف القوتين العظميين في هذه المرحلة ب "غير مشروط"؛ فهذه علاقة متقدمة واستثنائية، لكنها تحتوي على "غموض استراتيجي". وربما يكون "التوافق الاستراتيجي" وصفا أكثر دقة. يعود السبب بشكل كبير إلى الصين، لكنه ثانوي في الظروف الحالية. الأولوية هي نظرة البلدين إلى الولايات المتحدة والغرب.

ورأى أن خطة الولايات المتحدة لمحاصرة البلدين، وسحب بقية الغرب وراءها، أدت إلى "تنسيق الإجراءات"؛ في الواقع إذا قمنا بتحويل كلمات الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى ممارسة عملية، حين قال: "إننا نتفهم مخاوف بعضنا البعض الحالية. هذا هو الأساس الرئيسي للشراكة والتعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين في المرحلة الجديدة"، فإن ذلك يعني أوكرانيا وتايوان.

ترغب الصين في حل أزمة أوكرانيا "بالطرق السياسية". ولكن الهدف النهائي من ذلك هو تشكيل بنية أمنية جديدة للعالم بشكل صحيح. وهذا ما تم التأكيد عليه أيضا في البيان المشترك: "لحل أزمة أوكرانيا، يجب القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة". ما هي هذه الأسباب؟ توسع الناتو! فالحرب نشأت من هناك. بهذا المعنى، يرى البلدان أن كبح جماح طموحات الناتو، أي الولايات المتحدة، هو المشكلة أساسية، ويريدان أن يتم وقف ذلك أولا، بغض النظر عما سيكون عليه "النظام الجديد". يقول إيرسانال.

وأضاف: لقد اتفق البلدان بشكل ضمني، على أن مسؤولية أزمة أوكرانيا وغيرها من التوترات ذات الصلة تقع على عاتق الولايات المتحدة والغرب. لا شك أن الحرب في أوكرانيا تشجع البلدين على تحقيق المزيد من المكاسب، فإذا تمكنت روسيا من الخروج من هذه الحرب منتصرة، من خلال التفوق في الموقع والمبادرة، سيكون لذلك ثمن سياسي باهظ على النظام الحالي المتمركز حول الولايات المتحدة. لا ريب أن ذلك سينعكس على نطاق أوسع؛ مما سيعيق قيام الغرب بخطوات مماثلة، على سبيل المثال ستصبح أي محاولات جديدة شبيهة بأوكرانيا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أمرا مستحيلا.

وقال: سبق وأن تحدثنا عن التطبيق العملي لهذا النهج في مبادرات الصين؛ فمن الواضح أن الزيارات التي قامت بها إلى فرنسا والمجر وصربيا تستهدف مناطق النزاع والتوتر بين أوروبا والولايات المتحدة. ببساطة، من الواضح أن الصين ترى أن علاقاتها مع أوروبا تعيق موقف الولايات المتحدة وسياساتها في العلاقات الأطلسية، وتقيد يديها، وتعتمد على ذلك. من المهم أيضا أن ندرك العنوان الرئيسي والأساسي للتيار الجيوسياسي والاستراتيجي المسمى بالتعددية القطبية أو النظام العالمي الجديد.

وأوضح أن النظام الجديد يعني اقتصادا جديدا ونقودا جديدة. ستتبع المبادرات والبدايات العسكرية سياسات جديدة، مما سيؤدي في النهاية إلى "تقاسم جديد". لا ينبغي أن نغفل هذه النقطة الأساسية؛ عند الحديث عن الاقتصاد العالمي، فإن اقتصاد أي بلد يعد ثانويا، وما يتم التركيز عليه هو دور هذا البلد في التجارة العالمية. من المهم طرح أسئلة مثل أين ترى الصين نفسها في هذا السياق؟ أو ما هي فائدة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا؟ هل تستطيع الولايات المتحدة حقا متابعتها! ماذا يعني أن تتخلص الصين من السندات الأمريكية وتبدأ في شراء الذهب؟

ويمكن طرح أسئلة مشابهة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية لتركيا. كسؤالنا ما هو الفرق بين تصريح محمد شيمشيك "كان مواطنونا سيستوردون مليارات الدولارات من الذهب لو تركناهم" وسؤال "ما هو ترتيب تركيا بين مئات الدول من حيث شراء الذهب كدولة؟"

وتابع المقال:

إذا عدنا إلى السياق العام، فإن الذكاء الاصطناعي والسياسات الخضراء والتحول الرقمي وما إلى ذلك، ستؤدي في النهاية إلى ظهور مجموعة جديدة من القيم. وستجلب كل هذه الأمور معايير جديدة. ولا شك أنه لن يحدث ذلك ببساطة كما هو مكتوب هنا في سطرين، بل سيأتي بعد عمليات مليئة بالألم. وهذا ما نسميه بالعلامات.

فالحرب في أوكرانيا، وغزة، وجورجيا، ومحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا، و"الحادث" الذي تعرض له الرئيس الإيراني، وظهور خطوط نقل جديدة للطاقة والمواصلات والألياف بشكل مستمر، ومحاولات التخلص من الدولار، ومفهوم "الجنوب"، والبحث المستمر عن التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، حتى لو كان في اتجاهات متناقضة، والمنظمات الدولية التي يتم إنشاؤها تباعا على هذا الطريق، مثل منظمة الدول التركية ومشروع طريق التنمية وبريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، كلها تجليات لذلك.

لذلك، قمنا بوضع جدول زمني للأحداث الحاسمة التي ستحدد الاتجاهات على المدى القريب؛ كان أولها هذا الاجتماع، قمة بوتين وشي جين بينغ. ثم الانتخابات الرئاسية الأمريكية. والآن يمكننا إضافة الانتخابات البريطانية المبكرة (يوليو) وكذلك انتخابات البرلمان الأوروبي (يونيو) ونتيجة حرب أوكرانيا.

لنلق نظرة على إفريقيا، ألسنا نشاهد كيف تفقد الولايات المتحدة والغرب مواقعهما بسرعة في هذه القارة؟ إنهم يحاولون التمسك به بشكل دراماتيكي. أعلنت واشنطن الآن كينيا ك"حليف رئيسي من خارج الناتو". أي "شريك قيم مثل عضو في الناتو". ولكن ما هي حاجة كينيا إلى الناتو؟ إنه كمن يبيع ثلاجات للإسكيمو.

في الختام، تخلق روسيا والصين مساحة جديدة للنظام الجديد بشكل منسق. هذا هو التركيز المستمر على "القطبية المتعددة".

ماذا تفعل الولايات المتحدة والغرب؟ هذا هو الأمر الخطير. إنهم لا يعرفون ماذا يفعلون، ولا يمكنهم العثور على حل. إنها متلازمة الإرهاق. سيكونون غاضبين الآن، ثم تبدأ مرحلة القبول.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!