أحمد البرعي - خاص ترك برس

انتهت المدة التي حددها دستور الجمهورية التركية لتشكيل حكومة ائتلافية، وهي 45 يومًا من تاريخ انتخاب رئيس للبرلمان، يسعى فيها زعيم حزب الأغلبية، أحمد داود أوغلو، للوصول إلى اتفاق سياسي يجمعه في برنامج موحد مع أي من أحزاب المعارضة الثلاث، حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي. وتعد هذه هي السابقة الأولى في تاريخ الانتخابات التركية التي يفشل فيها زعيم حزب الأغلبية في تشكيل حكومة ائتلافية عقب الانتخابات البرلمانية.

وكالعادة، انهالت سهام المعارضة على رئيس الجمهورية، الطيب أرودغان، واتهمته بعرقلته تشكيل الحكومة الائتلافية، إذ جاء ذلك على لسان رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، في أكثر من حوار تلفزيوني، حيث أكد أن المشكلة لا تكمن في شخص داود أوغلو أو حزب العدالة والتنمية، بل في شخص الطيب أردوغان الذي لا يزال يبسط هيمنته ونفوذه على حزب العدالة والتنمية، ويبدو أن داود أوغلو، على حد زعمه، لم يتمكن حتى اللحظة من التخلص من التبعية الكاملة لشخص الزعيم المؤسس الطيب أردوغان، الذي كان قد أعلن الأول من نوفمبر\ تشرين الثاني موعداً "لاعادة الانتخابات" كما يحب أن يسميها وليس "انتخابات مبكرة" في اشارة إلى أن الناخب التركي فهم اللعبة وسيعيد حساباته ويعطي الثقة مرة أخرى لحزب العدالة والتنمية.

بحسب الدستور التركي، كان أمام رئيس الجمهورية خياران، أولهما أن يدعو لانتخابات مبكرة بعد اجتماعه مع رئيس البرلمان، وهو ما تعجل أردوغان بإعلان نيته التوجه للانتخابات قبل الاجتماع برئيس البرلمان وقبل انتهاء فترة 45 يومًا تمامًا، وهو ما يعزز القول بأنه لا يرى نجاحًا لأي حكومة ائتلافية في إدراة شئون تركيا في الفترة الراهنة، وهذا ما تؤكده تجربة الأتراك مع الحكومات الائتلافية السابقة التي جلبت على البلاد ويلات اقتصادية وسياسية جمة.

وكان خياره الثاني أن يكلف رئيس حزب الشعب الديمقراطي المعارض، كلتشدار أوغلو، بالتشاور مع الأحزاب الأخرى لعله ينجح فيما أخفق فيه داود أوغلو. ولكن أردوغان عادل الجميع بالتصريح بأنه لن يقوم بذلك، إذ كيف يقوم بتكليف من يعلن ويجاهر أمام وسائل الإعلام أكثر من مرة أنه لا يرغب بزيارة القصر الرئاسي ب"بيش تبة" بل ولا يعرف عنوانه، الأمر الذي اعتبره أردوغان إهانة واضحة لمقام ومكانة رئيس الجمهورية. كان كلتشدار أوغلو قد طالب باعطائه الفرصة لتتشاور مع الأحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية إلا أن أردوغان استغل تصريحاته السابقة "الرعناء" بعدم رغبته في زيارة القصر الجمهوري وقطع عليه الطريق، قائلاً "لقد أخذتم الفرصة كاملة للتفاوض والتشاور للوصول إلى اتفاق يجمع بين برامجكم المختلفة إلا أنكم فوتم الفرصة ولم تصلوا إلى اتفاق، وأنا كرئيس الجمهورية لن أسمح بتضييع مزيد من الوقت والفرص على الشعب وسأعيد الكلمة لمصدر السلطات الأساسي وهو الشعب. وبذلك ستذهب تركيا لاعادة الانتخابات في الأول من نوفمبر\ تشرين الثاني المقبل."

لماذا لم يعط أردوغان الفرصة لزعيم حزب المعارضة؟

استمرت اللقاءات الحزبية بين قيادات حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري ساعات طوال على أيام مختلفة لكن اختلاف البرامج، بل وتناقضها في العديد من الملفات كالعلاقات الخارجية والقضية السورية، هذا بالإضافة إلى رغبة حزب الشعب الجمهوري الاستحواذ على أكبر عدد من الوزرات المحورية المهمة كان عائقاً رئيسياً أمام التوصل لاتفاق مشترك. ولم يكن الوضع مختلفًا مع حزب الحركة القومية الذي جعل من عملية السلام الداخلي "عقدة المنشار" وسببا أساسياً في عرقلة مساع تشكيل حكومة ائتلافية. يأتي ذلك رغم أن أردوغان وقيادات حزب العدالة والتنمية كانوا قد صرحوا أكثر من مرة أن حزب العمال الكردستاني بأعماله الإرهابية وحزب الشعوب الديمقراطي بتغطيته السياسية لهذه الأعمال الإجرامية أجبرا الحكومة التركية على تجميد عملية السلام "ووضعها في الثلاجة". إلا أن ذلك لم يكن كافيًا، من وجهة نظر حزب الحركة القومية، الذي اتهم أردوغان بتجاوز صلاحياته وحياديته كرئيس للجمهورية وانحيازه بشكل سافر لحزب العدالة والتنمية منذ بدء الحملات الانتخابية، فهو من قاد اللقاءات الحزبية الخطابية وهو من روج لبرامج الحزب كرئيس له وليس كرئيس للجمهورية التركية. كما أن أردوغان كان قد صرح بأنه لا يعتبر، دولت بهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية، مخاطباً له وذلك بعد تعرض الأخير بالإهانة لشخص أردوغان وعائلته.

هذا الأمر الذي دعا رئيس الجمهورية إلى حسم أمره بعدم تضييع مزيد من الوقت والجهد على البلاد والمواطنيين في ظل حالة أمنية متدهورة، وضع اقتصادي متوتر، وبيئة جغرافية تموج بالأحداث المتسارعة، ووضع دولي وإقليمي متآمر. لم يكن بإمكان رئيس الجمهورية أن يترك بلداً كبيراً بحجم وثقل تركيا السياسي في المنطقة أن يستمر في حالة من عدم الاستقرار وبدون حكومة تدير شئونه، لم يكن بمقدوره التراخي والتهاون مع طفولية أحزاب المعارضة ونظراتهم المراهقة القاصرة التي تطمح لتحقيق أهداف حزبية وسياسية خاصة على حساب استقرار وتقدم البلاد.

بهذا تكون تركيا قد طوت مرحلة من مراحل الحوار الداخلي والتفاهمات السياسية عائدة إلى مرحلة الاستقطابات الحزبية التي ستستمر حتى الانتخابات القادمة مصحوبة بحالة من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والسؤال الأهم. ماذا لو جاءت نتائج الانتخابات المقبلة بمثل النتائج السابقة أو قريبة منها؟ سؤال لا شك يدور في خلد صناع القرار التركي ومع ذلك، تبقى الكلمة الأخيرة والقول الفصل لصاحب السلطة الأول والأخير، الشعب.

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس