جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد اختيار فلاديمير بوتين للرئاسة الروسية عام 2000 أعلن بأن "صفحات الانكسار والضعف التي أصابت روسيا الاتحادية لبضع سنوات قد انقضت، ومنذ الآن بدأ عهد التقدم والتطور الجديدين لظهور روسيا جديدة قوية ومتطورة على السطح"، وعلى صعيد متصل بعد تولي أحمد داود أوغلو لزعامة حزب العدالة والتنمية ولرئاسة الوزراء التركية، بتاريخ 28 آب/ أغسطس 2014، أعلن بأن "بدء الشوط الثاني من خطة ولادة تركيا الجديدة وبعد اليوم أصبحت أيام تركيا القديمة مطوية بين صفحات التاريخ الغابر".

بهذا الشكل أعلن القائدان الروسي والتركي عن المراحل التقدمية الجديدة لدولتهما، ولكن يبين الباحث السياسي أمين كيليج، في مقال له بعنوان "تركيا وروسيا في عهدهما الجديد" نشرها على موقع "سياسي مقال" التركي بتاريخ 11 شباط/ فبراير 2015، بأن "هذا العهد الجديد لكلا الدولتين خاصة في ظل تقاربهما الاقتصادي الملحوظ والمتطور أصبح مصدر قلق يتابع من قبل كل من الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة الأمريكية الذين لا يرغبون في ظهور تركيا قوية في الشرق الأوسط وتكون شريكة اقتصادية قوية لروسيا".

وأوضحت صحيفة راديكال اليسارية اليونانية، في عددها الصادر بتاريخ 8 شباط/ فبراير 2015، بأن "القلق للدول المبغضة لتطور تركيا وتقدمها زاد بعد قيام روسيا بإلغاء خط السيل الجنوبي الخاص بنقل الغاز الطبيعي الذي كان سيمر بأوكرانيا وبلغاريا وإعلانها، على لسان شركة الغاز الروسي القومية غازبروم، بأنه سيكون هناك خط بديل لذلك الخط وهو خط السيل التركي والذي سيمر من تركيا لليونان ومن هناك لدول البلقان وشرق أوروبا".

وعلى الرغم من معرفة تركيا اليقينية بمدى القلق الشديد تجاه علاقاتها الاقتصادية المتنوعة والمتطورة مع روسيا إلا أنها لم تلقي بالا لذلك واستمرت بكل جدارة في تطوير هذه العلاقات وإبرام الاتفاقيات الاقتصادية الضخمة مع روسيا، وكان الاتفاقية الكبيرة والمتنوعة الأخيرة التي تم إبرامها بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس فلاديمير بوتين، بتاريخ 1 كانون الثاني/ ديسمبر 2014،  أحد أكبر الأمثلة على عزم تركيا القوي على الاستمرار في عقد الاتفاقيات الاقتصادية المتنوعة بينها وبين روسيا.

ويشير الدكتور الأكاديمي غوركان كومبار أوغلو، في مقالة تحليلية بعنوان "لماذا اختارت روسيا تركيا؟" نُشرت بتاريخ 27 ديسمبر 2014 على موقع خبر 7 التركي، بأن "الهدف الرئيسي من وراء اختيار روسيا لتركيا في مد خط السيل الناقل للنفط بينها وبين أوروبا هو تيقن روسيا بمدى قوة تركيا الأمنية التي تفوق قوة الدول الأخرى الموجودة في المنطقة وأيضا ً إقتناع الدب الروسي برؤية تركيا الجديدة التي طرحتها حكومة حزب العدالة والتنمية والتي تهدف لإيجاد تركيا "جديدة" متطورة ولها كيان قوي وتطلاعات تطورية استراتيجية غير موجودة لدى حكومات الدول المجاورة".

ويُرجع الكثير من الخبراء والمحللين الأتراك بأن "قبول تركيا التعاون الاستراتيجية والمتنوع مع روسيا يأتي بناءًا على اقتناع تركيا بحاجة روسيا لتركيا الماسة والتي جعلت تركيا تتشجع لاستغلال هذه الفرصة لصالحها لتحقيق مردود ربحية إيجابية عالية على النقيض من التعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات الأمريكية المتحدة الذين ما زالوا يرون تركيا دولة من العالم الثالث ومناسبة للاستعمار والاستغلال وهذه الرؤية ترجمها الاتحاد الأوروبي بالفعل عام 1996 بعد توقيع "اتفاقية الاتحاد الجمركي التعاوني" بين تركيا والاتحاد الأوروبي والذي حد من تصدير تركيا للمواد الصناعية عالية المردود الربحي الاقتصادي للاتحاد الأوروبي واقتصر على استيراد المواد الزراعية منخفضة المردود الربحي وكما نصت اتفاقية الاتحاد الجمركي على فرض ضرائب على البضائع التركية الواردة بينما رفع الضرائب عن البضائع الأوروبية الواردة لتركيا!!".

يصف وزير الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركية فولكان بوزكير، في لقاء صحفي مع قناة البي بي سي التركية بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، اتفاقية الاتحاد الجمركي التعاوني بأنها "خطأ استراتيجي ارتكب من قبل الساسة الأتراك ويجب تفاديه وحله فهو أحد أساليب الاستعمار الحديث القائم على أساس التجارة غير العادلة، ونحن في الحكومة التركية نسعى بكل ما نملك تعديله، وفي حين لم يتم إلحاق تركيا ضمن قائمة التجارة الحرة التابعة للاتحاد الأوروبي المزمع إعلانها السنة القادمة فإننا سنعتذر عن الاستمرار تحت مظلة الاتحاد الجمركي الظالم وسنقوم بإلغائه كذريعة لرفض التعاون الحر معنا في ظل العولمة العالمية الحرة".

ويفيد كيليج، في نفس المقال المذكور أعلاه، بأنه "على الرغم من التطور الملموس في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين الجديدتين إلا أنه هناك الكثير من المسائل السياسية مثل "قبرص وسوريا وأوكرانيا ومنطقة كاراباغ في أذربيجان" تُشكل نقاط خلاف جذرية بينهما، وهذا يعني أنه على الرغم من سعي الطرفان إلى تطوير علاقتهما الاقتصادية بناءًا على السياسة النيو ليبرالية الاتحادة الفاصلة بين التعاون الاقتصادي والخلاف السياسي إلا أن احتمال تفرقهما الجاد في أحد المسائل السياسية "الواقعية والجيو سياسية الاستراتيجية" مُحتمل ومتوقع في أي وقت وزمان وهذا مايجعلنا نتوقع عدم إمكانية استمرار وتطور الشراكة التعاونية بين الطرفين لفترة استراتيجية طويلة الأمد".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس