إردال تاناس كاراغول - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

حدثت تطورات هامة بين روسيا وتركيا في الأيام الأخيرة، فمنذ الأزمة السورية كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين البلدين، وبينما كانت تركيا تقول بأنّ حل المسألة السورية لا يتم إطلاقا بوجود الأسد، كانت روسيا من أكبر الداعمين له.

لم تنعكس هذه التناقضات في وجهات نظر روسيا وتركيا على الجانب الاقتصادي، والمعنى الأصح لذلك، هو أنّ هذا الأمر يعكس حقيقة أنّ روسيا لا يمكنها التخلي عن تركيا، وخصوصا بعدما تعرضت روسيا لحصار اقتصادي شديد من قبل أمريكا والدول الأوروبية بعد تدخلها في أوكرانيا.

ولهذا أبقت روسيا على تركيا الجارة لمصادر النفط قريبة منها، لأنها تعتبر مصدر الغاز الطبيعي والممر الأساسي له نحو الأسواق العالمية، وهذا تصرف ذكي من روسيا، والتصريحات التي قالها بوتين في تركيا عن تخليه عن مشروع الممر الجنوبي للطاقة، كان مجرد رسائل للتخفيف من قلق أمريكا وأوروبا، لكن روسيا قررت في نهاية العالم الماضي بإجراء تخفيضات على الغاز الطبيعي وأكدت على دعمها لمشروع الأنابيب التركية للغاز الطبيعي، لكنها اليوم على ما يبدو تقوم بتغيير ذلك.

ماذا سيكون مصير مشروع أنابيب الطاقة التركية؟

أول دليل على تغيير روسيا لنواياها كان من خلال الإعلان عن تعطيل تشغيل أنبوبين من أصل أربعة أنابيب كان من المفترض أن يتم تفعيلها لنقل الغاز الطبيعي عبر مشروع الأنابيب التركية، وبذلك انخفضت سعة المشروع التركي، الذي كان من المفترض أن ينقل 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى النصف، حيث ستصبح سعة المشروع تتمثل بنقل 32 مليار متر مكعب.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك اختراق روسيا للأجواء التركية، ووقوفها خلف الأسد، سنجد أنّ الاختلافات السياسية بين تركيا وروسيا قد أثرت على قرارات روسيا فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين.

السؤال هنا، مَن سيتأثر، وسيدفع ثمن ذلك بصورة أكبر على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟

أول ما سيتأُثر هو "مخزن الذهب" الروسي المتمثل بالغاز الطبيعي والنفط، فهذان الأمران هما من يوقف الاقتصاد الروسي على قدميه، وقد تراجع الاقتصاد الروسي بصورة فعلية بعد الأزمة التي حصلت مع الدول الأوروبية، وبرغم تبعية أوروبا لروسيا في مجال الطاقة، إلا أنّ روسيا اضطرت في الفترة الأخيرة إلى البحث عن أسواق جديدة وشركاء جدد من أجل الاستفادة من مصادر الطاقة التي لديها، مع إدراكها بأنّ السوق الأوروبي حاجة ملحة لها.

توجد إلى جانب روسيا دولة تتطور اقتصاديا، وهي في طريقها من خلال مشاريعها للطاقة لتكون "مركزا للطاقة"، وما يميز هذه الدولة هي أنها مستقرة اقتصاديا وسياسيا منذ ما يزيد عن 13 عاما.

وإذا كانت روسيا تدعم اليونان في الفترة الأخيرة لتكون البديلة عن مشروع خطوط الأنابيب التركية، فتركيا تسعى من خلال مشاريعها وخصوصا مشروع خطوط الطاقة (TANAP) إلى أن يكون تصدير النفط والغاز الطبيعي من العراق وإيصاله إلى تركيا ولغيرها من الدول، يمر عبر الأراضي التركية، لتصبح تركيا دولة مركزية في نقل مصادر الطاقة.

لكن تصرف روسيا الأخير، يدل على أنّ صعود قوة تركيا الاقتصادية منذ عام 2002، وزيادة تأثيرها في المشهد الاقتصادي العالمي، هو أمرٌ غير مستحسن بالنسبة لروسيا.

يتوجب على تركيا الاستمرار على طريق الطاقة

لا شك أنّ التدخل الروسي في سوريا، وبمعنى أدق مساعدة روسيا للأسد، وبعد ذلك اختراق روسيا للأجواء التركية، والأحاديث عن تقليل سعة أنابيب الطاقة التركية إلى النصف، قد يحمل دلالات على أجواء ضبابية تحوم فوق العلاقات الروسية التركية، لكن متطلبات السياسة الواقعية، وخصوصا عند الحديث عن روسيا وتركيا، تُبطل صحة هذه التحليلات.

روسيا التي تعيش الآن حالة من العزلة، والتي ترتب عليها تراجع حقيقي لاقتصادها في هذه المرحلة، لن يكون من المنطقي أنْ تتخذ سياسة متناقضة مع تركيا وخصوصا في الجانب الاقتصادي، وذلك لما سيحدثه ذلك من انعكاسات سلبية جدا على الاقتصاد الروسي.

وعندما نتحدث عن الوضع الراهن لتجارة روسيا في النفط والغاز الطبيعي، فإنّ على روسيا التفكير جيدا في الثمن الذي ستدفعه في المجال الاقتصادي بسبب خطواتها التي قامت بها مؤخرا، ولذلك يصبح مشروع أنابيب الطاقة التركي مشروعا ذا أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا في الظروف الاقتصادية الحالية.

عن الكاتب

إردال تاناس كاراغول

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس