د. وسيم بكراكي - خاص ترك برس

بعد النجاح الكبير الذي حققه مؤتمر "نهاية الحكم العثماني في جزيرة كريت وهجرة المسلمين" الذي قامت به جمعية أولي النهى في طرابلس لبنان برعاية السفير التركي إينان أوزيلدز في العالم 2014، شهدت مدينة كوش أضاسي في ولاية آيدن التركية انطلاقة المؤتمر التاريخي بعنوان "جزيرة كريت بين الماضي والحاضر"، وذلك برعاية جمعية الكريتيين للثقافة والصداقة والتعاون بتمويل من البلدية نفسها.

عقد هذا المؤتمر بتاريخ 16-17-18 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بمشاركة عدد كبير من الأساتذة الأكاديميين فاق 42 محاضر ورؤساء الجمعيات الكريتية من المناطق التركية المختلفة إضافة إلى الأساتذة المحاضرين الذين قدموا من كل من لبنان واليونان وكريت وفرنسا.

وفي كلمته الإفتتاحية تحدث رئيس جمعية الكريتيين للثقافة والصداقة والتعاون السيد يونس تشينغيل معلناً افتتاح أعمال هذا المؤتمر التاريخي بقوله: "يتميز هذا المؤتمر بكونه المؤتمر التاريخي الأكاديمي الأول الذي يعقد في تركيا منذ هجرة أهالي كريت منذ 120 سنة مضت، خلال أكبر عملية تهجير شهدتها المنطقة على شكل تهجير عرقي أدى إلى استبعاد وقتل وتهجير جميع مسلمي هذه الجزيرة بشكل كامل لم يشهد له التاريخ مثيلاً قط. وقد وصل هذا التهجير إلى ذروته مع اتفاقية لوزان / المبادلة عام 1923 التي قضت بالهجرة القصرية حتى آخر شخص من مسلمي هذه الجزيرة بعدد وصل إلى 40 ألف مهاجر بعد حملات التهجير الأخرى التي استمرت أكثر من 40 سنة هاجر فيها مئات الآلاف من المسلمين إلى مناطق السلطنة العثمانية المختلفة كمدينة طرابلس في لبنان والحميدية في سوريا وسوسه وبنغازي في ليبيا وعشرات المناطق الأخرى في الجمهورية التركية الحالية."

ثم كانت كلمة رئيس بلدية كوش أضاسي أوزير كايالي الذي شكر فيها الهيئة المنظمة والأساتذة المشاركين والجمعيات المتعاونة معبراً عن سعادته لاستضافة هذا المؤتمر القيم في مدينته وهي المدينة التي كان لها باع كبير في استقبال دفعات كبيرة من المهاجرين الكريتيين بل وتمتلك إحدى القرى النموذجية "قرية العثمانية" التي بناها السلطان عبد الحميد خان الثاني بنفسه لاستقبال المهاجرين من جزيرة كريت آنذاك".

أما قائم مقام مدينة كوش أضاسي فقال: "إن جزيرة كريت هي الأرض التي تمتلك تاريخاً كبيراً يصل إلى خمس آلاف سنة تشكل وتطعم عبر العديد من فترات الحكم التاريخية المختلفة ولهذا فإن تنظيم مثل هذا المؤتمر هو أمر قيم جداً يجب علينا أن نشكر كل من شارك فيه وعمل على إنجازه وتحقيقه."

بعد هذه الكلمات الإفتتاحية المتتالية ابتدأ المؤتمر أعماله بمحاضرة افتتاحية قيمة للمؤرخ التاريخي التركي الشهير الأستاذ الدكتور إيلبير ألتايلي تحدث فيها عن جزيرة كريت وتاريخها الثقافي قائلاً: "لقد كانت سياسة أسلمة الشعب المعتمدة من قبل الإمبرطورية العثمانية هي الأقل تنفيذاً في جزيرة كريت. فعلى عكس ما جرى من تطبيقات في دول مثل مقدونيا وباقي دول البلقان وغيرها، نجد أن العثمانيين لم يقوموا بافتتاح المساجد والمدارس في جزيرة كريت بشكل كبير. بل إن الطريقة المولوية مثلاً لم تدخل إلى كريت إلا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. ولهذا نجد أن تشكيلة الشعب الكريتي كانت متميزة بكونها شعباً لا ينتمي إلى الطائفة الأورثوذوكسية، ولا علاقة له بالكاثوليكية، ولكنه بنفس الوقت لا يمكن تصنيفه بالشكل الرسمي للمسلم التركي الذي كان متعارفاً عليه في ذلك الوقت وإنما كان ذات طابع خاص وثقافة خاصة ومتميزة. بينما كان انتماء الشعب من غير المسلمين هو للدولة العثمانية التي كانوا يصنفونها بالإمبريالية. لقد كان لطبيعة كريت الأثر الكبير على بنية الشخصية الكريتية. ولهذا فإن كل من يحرص على القيام بأبحاث حول هذه الجزيرة أن يأخذ بعين الإعتبار جغرافية هذه الجزيرة وخصائصها وخصائص أهلها."

بعد هذه المقدمات الإفتتاحية، بدأ هذا المؤتمر جلساته الثمانية التي شملت مختلف الجوانب التاريخية والثقافية والعمرانية في 40 محاضرة مختلفة كل منها تحدث عن جانب من جوانب هذه الحضارة وهذا التاريخ وصولاً إلى أصول الأكل التركي والموسيقى واللباس. تميز هذا المؤتمر بكلمة للدكتور علي بكراكي رئيس جمعية أولي النهى، الذي قدم من لبنان للمشاركة بهذا الحدث. لقد ألقى بكراكي محاضرة تحدث فيها عن هجرة أبناء كريت المسلمين إلى كل من لبنان وسوريا وما سمعه من بطولات أجداده وشعبه في تلك الحقبة الزمنية الأليمة. كما قام بكراكي بعرض مصور لخص فيه أعمال المؤتمر الذي نظمته جمعية أولي النهى في طرابلس لبنان عام 2014 بعنوان "نهاية الحكم العثماني في جزيرة كريت وهجرة المسلمين".

أخيراً، اختتمت أعمال المؤتمر باجتماع رؤساء الجمعيات المشاركة مع رؤساء الجلسات وإصدار بيان توصيات شدد على أهمية استمرار مثل هذه المرتمرات وفتح مراكز بحث تاريخي تتناول تفاصيل الوجود العثماني في كريت وتشجيع الأبحاث الجديدة التي تركز على تاريخ العائلات الكريتية وجذورها قبل الهجرة وصولاً إلى البلاد التي انتقلت إليها في الشرق الأوسط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!