إتيان مهتشوبيان – أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

امتدادًا للتفسخ المجتمعي التاريخي يتخيل الكماليون أن سعيهم لتشكيل كتلة معادية لحزب العدالة والتنمية سيساعدهم على خلق "حصن استراتيجي" ويمكنهم من تسلق القمة من جديد. لا حاجة للمدارس والمكتبات لنفهم أن حزب الحركة القومية يناقض ويهدم أفكار اليساريين سواء حزب الشعب الجمهوري أو حزب الشعب الديموقراطي الذين يسعون للتحالف معه،  فالمسألة الحقيقية أن اليسار على اختلاف مشاربهم لهم موضوع وهم واحد يمكن التعبير عنه بأيديولوجيا معادية لحزب العدالة والتنمية بالذات؛ فهم يعون أن وصول حلفاء اليوم من الحزب القومي لسدة الحكم يحمل في طياته خفايا لا يرضونها، ولكنه يضمن لهم في الوقت نفسه فرصة في استمرارية الوجود واحتمالية في العودة. فهم في الأصل يخطون خطوة معاكسة لحزب العدالة والتنمية وخطوة أخرى معاكسة لحزب الحركة القومية وهذا الاستخدام غير الأخلاقي من قبل حزب الشعب الجمهوري للقوميين كوسيلة لتحقيق أحلامه واضح للعيان!

الآن وفي سبيل فهم حقيقي للأمور لنجري حسبة بسيطة، في انتخابات عام 2011 حصل حزب العدالة والتنمية على ما يقارب 50% من الأصوات وأخرج لنا 327 نائبًا وبمعنى آخر لكل واحد بالمئة من الأصوات التي حصل عليها 6.56 مقعد نيابي (بقسمة عدد المقاعد على نسبة الأصوات التي حصل عليها)؛ وفي انتخابات عام 2015 حصل على ما يقارب 41% من الأصوات وخرج بـ258 وكيل نيابي بنسبة 6.32 وكيل نيابي لكل واحد بالمئة من أصواته؛ ونلحظ أنه رغم أن نسبة الأصوات التي حصل عليها لم تكن متساوية، إلا أنه وبشكل عام كانت نسبة المقاعد لكل واحد بالمئة من الأصوات متساوية تقريبا وبما معدله 6.5 وهو ما سيحصل عليه تقريبا في كل الانتخابات القادمة.

لنحتفظ بهذه النتيجة في عقولنا ولنسأل السؤال التالي: في المستقبل وليتمكن كل من حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري لتشكيل حكومة قوية وقادرة على الاستمرار لفترة طويلة،  كم من المقاعد يجب أن يحصل عليها كل منهما؟

لو قلنا من جديد مع الاعتقاد ان حزب العدالة والتنمية سيحصل على اعلى نسبة من المقاعد الانتخابية، يجب ان يحصل هذين الحزبين على ما مجموعة 55% من المقاعد أو بمعنى آخر على 300 مقعد نيابي، ولو فرضنا أن حزب الشعوب الديمقراطي وعلى أقل تقدير حصل على 70 نائبًا يعني هذا أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 180 مقعد نيابي، ولو قسمنا هذا الرقم على نسبة حزب العدالة والتنمية من المقاعد مقابل 1% من أصواته (6.5)، سيعني هذا أن يحصل على 27.5% من الأصوات وبكلمات أخرى إذا انخفضت أصوات حزب العدالة والتنمية إلى هذا الحد (27.5%) عندها سيتمكن هذان الحزبان من تشكيل حكومة بديلة.

من جهة أخرى، إذا انخفضت نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية ستنخفض كذلك قيمة المقعد النيابي مقابل كل واحد  في المئة من الأصوات، وكمثال في الانتخابات الأخيرة كانت هذه النسبة لحزب الشعب الجمهوري تعادل 5.3 وبإدخالنا للثابت الرقمي المتحرك في الحسابات، ولكي يتمكن هذا الحزب من تشكيل حكومة يجب أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 5.8 والذي يعني أن يخسر حزب العدالة والتنمية ما يعادل 31% من أصوات ناخبيه.

"الخبر السيء" هو أن ما يقارب 30% من ناخبي حزب العدالة والتنمية غير مرتبطين أبدا بأداء الحزب، فمثلا بقاء أردوغان على الساحة السياسية وبغير أخطاء عظيمة لا تغتفر سيضمن له هذه الأصوات، أما "الخبر الأسوأ" هو أنه لو ذهب أردوغان وبقي فقط أحمد داود أوغلو واستمر كذلك من غير أخطاء جسيمة سيحصل الحزب على هذه الأصوات. والوضع الإجمالي أن بقاء كل من أردوغان وأحمد داود أوغلو في الحزب سيؤهل الحزب للحصول على نتيجة تقارب 55% من الأصوات، ولو أن أحدهما تصرف بانفرادية ومن غير أخطاء سيحصل الحزب على ما يقارب 35% من أصوات الناخبين؛ أما لو أخطأ أحدهما فعندها قد تنقص أصوات الحزب لتقل عن 30% من الأصوات، ولكن حتى هذا النقص وهذه الخسارة في الأصوات لن تنعكس بالفائدة على الأحزاب الأخرى.

خلاصة القول، حكومة دون حزب العدالة والتنمية تبدو بعيدة المنال لعشرة أعوام قادمة على الأقل... وإذا أردتم أن لا تخلطوا الأحلام بالسياسة فاكتبوا في إحدى الزوايا.

عن الكاتب

إتيان مهتشوبيان

عضو لجنة الحكماء وكاتب في صحيفة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس