برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

استهدف الإرهاب الداعشي فرنسا بهجمات إرهابية كما استهدف أنقرة من قبل، وكانت الأهداف المنتقاة مرافق عامة، فقد اختاروا ملعب كرة قدم وصالون حفلات وشوارع مكتظة. أدت هذه الهجمات الإرهابية الى سقوط أرواح وفقدان الشعور بالأمن.

من شدة الفظاعة التي خلفتها هذه الهجمات لم يبق مجال لطرح سؤال بديهي مثل: لماذا يستهدفون المدنيين؟ وكان يكفي أن نعلم بأن المسؤول عن هذا الإرهاب هو داعش لتصل الرسالة. أصبحت عواصم كل دول العالم تعلم يقينا أن خطر الإرهاب لن يتوقف عند حدود سوريا والعراق ومن جاورها من دول؛ بل سيمتد ليصل كل العواصم ومنها الأوروبية كما كان من قبل في أحداث شارلي إيبدو.

أرادت داعش أن تبعث رسائلها إلى كل دول العالم وبالأخص العواصم المشاركة في التحالف العالمي لحربها، وجاءت هذه الرسائل أيضا قبل قمة العشرين لتجبر تركيا على جعل موضوع حرب تنظيم داعش على رأس أولويات القمة، وكانت الرسالة التي أراد التنظيم إرسالها تفيد "ابقوا بعيدا ولا تدخلوا في شؤوننا، وإن لم تفعلوا فإننا سنرسل اليكم مقاتلينا الأجانب من كل حدب وصوب حتى نحول حياتكم إلى جحيم".

في رسالة تحدٍ إلى كل قادة العام الذين حضروا في أنطاليا، أراد التنظيم أن يعرض لهم عضلاته في قدرته على تنظيم الخلايا والشبكات التي بمقدورها هز أمنهم، رغم معرفتهم بأن هذه الأفعال ستؤدي إلى زيادة وتيرة وشدة الهجمات عليهم. بعث التنظيم رسالته من دون أن يعير اهتماما لضربات فرنسا على الرقة، أو حتى من دون أن يخشى من أن يصبح الموضوع الأساسي في قمة العشرين، وأراد أن تكون هذه الهجمة رمزًا لرسالته التي تفيد بأنه لا يوجد مكان آمن في هذا العالم بعد اليوم.

ويهدف تنظيم داعش من توغله في استراتيجيات التوحش التي يتبعها إلى نشر الرعب في كل مكان، وإلى زيادة مستوى التطرف والتعصب لأفكاره الأصولية. ولو سألنا مثلا إلى أي مدى ستصل الهجمات الإرهابية في العالم؟ أجيب وأقول بأن الوضع الفوضوي من عدم وجود تنظيم حقيقي يجمع كل الأطراف المعنية في حل للأزمة السورية، واستمرار تجاهل العرب السنة سيؤدي إلى تنامي الحاضنة الشعبية للأفكار المتطرفة التي ستنتهي بهجمات إرهابية مثل ما حصل في باريس قبل أيام، ولن تنفع حين إذ الحلول الأمنية. كما سيكون الإهمال المستمر لمشاكل اللاجئين سبب آخر في زيادة المخاطر على المسلمين وتقوية أعدائهم عليهم.

لقد كان تركيز لقاءات ومواضيع قمة العشرين يدور حول داعش، فلقاء أردوغان مع نظيره الأمريكي أوباما، ولقاء أوباما مع نظيره الروسي بوتين كان يدور حول داعش وهجمات باريس. لن تنجح الجهود المتزايدة في الحرب على الإرهاب في القضاء على الجدل الحاصل بين الأطراف المختلفة، فإلى الآن نرى أنهم لم يستطيعوا تحديد هوية من سيحكم المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق بعد إجلاء الأخير منها، وكان في الأيام القليلة الماضية مثال واضح على هذا عندما هاجمت إيران وروسيا المعارضة المعتدلة بكل شراسة.

في فيينا اتفقت الأطراف الساعية في حل الأزمة السورية على أن ترك الأسد على حاله سيؤدي إلى رفع الضغط عن داعش، وما زال السؤال كيف ستكون سوريا بعد الإطاحة بتنظيم داعش يجول ذهابا إيابا دون جواب، وستؤدي أي حلول لا تُخرج الأسد من التركيبة السياسية المستقبلية إلى نقمة العرب السنة.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس