عزام سعد - خاص ترك برس

انعقدت خلال هذا الأسبوع في مدينة أنطاليا التركية قمة مجموعة العشرين، وهي مجموعة اقتصادية تمثل أكبر 20 اقتصادا حول العالم، منها 3 دول إسلامية هي تركيا والسعودية وإندونيسيا وترأسها تركيا هذا العام، وقد شارك فيها معظم زعماء مجموعة العشرين و حظيت  بتغطية إعلامية  واسعة، غير أن المتابع العربي ركز على مشاركة الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية وما حظي به من استقبال لافت ومميز من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكذلك زيارة الرئيس التركي إلى السعودية والتي ستجري أواخر الشهر الجاري، هذا الأمر جعل الكثير  المتابعين لهذا  الشأن  يبشر بانطلاقة نحو تكامل تركي سعودي، أو بالأحرى تكامل خليجي تركي في شتى المجالات  لمواجهة أزمات المنطقة وصياغة مشروع حضاري لضمان عودة الاستقرار وتحقيق تنمية مستدامة في عالمنا العربي.

لا تكمن أهمية  تركيا والسعودية كأكبر اقتصادين في المنطقة، بل كونهما دولتان ذات تأثير كبير في المنطقة والعالم  بما تمثلانه من رمزية كبيرة للأمة الإسلامية، فالمملكة العربية السعودية تمثل بعدا دينيا  وروحيا مهما للأمة الاسلامية كونها تحتضن البقاع المقدسة - مكة  كقبلة للمسلمين ومهوى أفئدتهم، ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كعاصمة المسلمين الأولى ودار الهجرة – وتركيا بما تمثله كذلك من رمزية دينية وسياسية كونها كانت آخر عاصمة للخلافة الإسلامية والتي كانت مرجعا دينيا وسياسيا مهما لكافة المسلمين حول العالم، أضف إلى ذلك أن الدولتان تتمتعان باستقرار ونمو اقتصادي مميز في منطقة يغلب عليها النزاعات وحالة عدم الاستقرار.

لهذه الأسباب يرى كثير من المراقبين أن هذا التطور المميز في العلاقات التركية والسعودية سينعكس إيجابا على قضايا المنطقة وسيؤدي هذا التكامل  المأمول إلى حلحلة الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، خصوصا في الحيز الجغرافي الواقع بين البلدين – العراق وسوريا ومصر – وسيدفع بالكثير من رؤوس الأموال في دول الخليج العربي وتركيا للاستثمار في المجالات الاقتصادية المختلفة كون المنطقتين تشهدان معدلات نمو اقتصادية مرتفعة مما سيولد فرص استثمارية جيدة لرجال الأعمال وكذا للشركات التركية والخليجية وسيعزز مكانة تركيا كواحدة من أفضل الواجهات السياحية للسياح الخليجيين والعرب.

ومما لا شك فيه أن هذا التقارب السعودي التركي لن ينال رضا الكثيرين ممن يرونه خطرا على مصالحهم، وضربة قاصمة لمشاريعهم التي يسعون جاهدين لتنفيذها  للهيمنة على المنطقة والتي كان من أهم محاورها تحييد السعودية وتركيا واشغالهما بقضايا جانبية هنا أو هناك حتى لا يصبح لهاتان الدولتان أي تأثير على المنطقة ليتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم في المنطقة وجعلها مناطق نفوذ لأطراف مختلفة وفقا لسايكس بيكو جديدة بدت معالمها واضحة للعيان ويتوجب على البلدين اتخاذ إجراءات عاجلة حيال هذا الأمر بدء من سوريا عبر دعم الثورة السورية المباركة والتي سيكون نجاحها  كفيل بإفشال كل المؤامرات على المنطقة وسيكون لها ارتدادات إيجابية على كافة قضايا المنطقة في العراق واليمن وفلسطين وليبيا ومصر.

وختاما، يعلق الكثيرون على هذا التقارب التركي السعودي الكثير من الآمال ويطمحون أن يحقق تكاملا في شتى المجالات بما يعود بالنفع على شعوب المنطقة كافة، ويرونه بصيص أمل طال انتظاره، ونور فجر بعد ليال كالحة السواد من اليأس والشتات، عله يساهم في اخراج الأمة مما هي فيه ويأخذ بيدها نحو طريق العزة والكرامة.

وأنا أكتب هذه الكلمات تتراءى في مخيلتي صورة رائعة لتعانق مآذن مكة المشرفة مع مآذن إسطنبول، في سيمفونية تكامل رائعة بين مهبط الوحي ودار الخلافة، وأرى حلم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله المتمثل في سكة حديد الحجاز وقد عادت لها الحياة وقطاراتها تمر عبر بلاد الشام - وقد تحررت سوريا من جزاريها ورفعت أعلام الحرية على حلب الشهباء ودمشق الفيحاء - غادية  إلى الحجاز ورائحة إلى الأناضول  في تجسيد مبهر للتكامل العربي التركي، وأظن أن كل مسلم يتمنى أن يرى هذا الحلم وقد أصبح حقيقة، وهذا الخيال وقد تجسد واقعا على الأرض، ولا أظنني قد بالغت في حلمي، فهذا سهل المنال فقط ان وجدت العزائم و صدقت النوايا، فهل ستفعلها  تركيا والسعودية؟؟؟؟ نتمنى  ذلك.

عن الكاتب

عزام سعد

باحث في التاريخ الإسلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس