مخلص برزق - خاص ترك برس

هل استطاع الزعيم الروسي خلال فترة رئاسته وزعامته أن يغير الصورة الانطباعية عن المنتج الروسي للبشرية بأنه أنهار دماء وأشلاء وأسلحة دمار، والكثير من الفودكا وبائعات الهوى؟

يسهل على أي متابع أن يتبين الإجابة من خلال تتبع العملية العسكرية الروسية الجارية، والتي خلّفت مئات الضحايا في المجازر الأخيرة التي ارتكبتها الطائرات الروسية في إدلب وحلب، عقب سقوط السوخوي الروسية فوق جبال التركمان. سيبرز الجواب واضحًا بينًا عبر الدخان المتصاعد من شاحنات الإغاثة الإنسانية المحترقة جراء قصفتها من الطائرات الروسية، ومن بين حطام مخبز جمعية قطر الخيرية بإدلب الذي كان ينتج 80 ألف رغيف خبز يوميًا، وبقايا مخبز هيئة الإغاثة الإنسانية التركية "IHH" في مدينة إدلب، والذي كان يقدم الخبز لـ 40 ألف محتاج، والذي قامت مقاتلات بوتين بتدميره تدميرًا كاملًا.

إن السياسة التي ينتهجها بوتين تنبئ بوضوح عن نفسية معقدة اختزلت استبداد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي زمن الاتحاد السوفيتي المنهار في شخصه، وكرّست صورة شبيهة إلى حد بعيد بجوزيف ستالين. سياسة لا تمت للإنسانية والعقلانية والاتزان بصلة وهو ما بدا واضحًا من خلال التعامل مع الثورة السورية وقوفًا إلى جانب مجرم العصر بشار الأسد ودعمًا سياسيًا وعسكريًا له وصولًا إلى التدخل المباشر، وكأن سورية ضيعة روسية أو أنها جزء من أوكرانيا المستباحة روسيًا.!

وعلى الصعيد الدولي فقد أضحت السياسة الروسية تشكل عبئًا ثقيلًا على السلم والأمن الدوليين إلى الحد الذي أعاد الحديث عن مخاطر نشوب حرب عالمية ثالثة مقرونة بمزاجية الزعيم الروسي، وهل يمكن لعاقل أن يتغاضى عن دلالات استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) يوم 30 يوليو/ تموز 2015 للاعتراض على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يقر تشكيل محكمة دولية خاصة لملاحقة المسؤولين عن إسقاط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا العام الماضي؟ وللعلم فقد أسقطت الطائرة الماليزية (الرحلة أم أتش 17) في شرق أوكرانيا في 17 يوليو/تموز 2014 ما أسفر عن مقتل 298 شخصا هم الركاب وأفراد الطاقم. وقد برّر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين ذلك الفيتو، بموقف موسكو المنطلق من أن حادثة تحطم الطائرة الماليزية لا يمكن وصفها بتهديد السلام والأمن الدوليين!!

أما ردود الفعل الروسية على إسقاط الطائرة الروسية المخترقة للأجواء التركية فإنها تشي بأنه كانت هناك حاجة ملحة لدى الزعيم الروسي لتبرير التورط الروسي في سورية، وتغطية الجرائم والمجازر والفظائع التي يرتكبها الروس بحق الأبرياء في سورية جنبًا إلى جنب مع مجرم العصر بشار الأسد الذي أزهق أرواح أكثر من 350 ألف إنسان في سورية وشرد الملايين هو وداعميه الرئيسيين إيران وحزب الله اللبناني.

أراد بوتين أن يرسل رسالة إلى العالم أنه ضحية غدر تركي وأن ذلك الأمر يمكن أن يبرر له فعل أي شيء يرد اعتباره، وهو ما جعله يسارع إلى توجيه غارات وحشية أحرقت الأخضر واليابس خاصة في الأماكن المحاذية للحدود التركية - السورية طمعًا في إنجاز ما عجز عنه جيش بشار وحزب الله وإيران وداعش بقطع الشريان بين تركيا والثورة السورية تمهيدًا للقضاء المبرم عليها وتنفيذ الأجندات الروسية الصهيونية الإيرانية بسلاسة أكثر.

ما فتئ بوتين يردد بأنه قد تلقى طعنة من الظهر، والتاريخ القريب يثبت أنه هو من وجه طعنات لتركيا، منها مشاركته بمراسم إحياء الذكرى المئوية لمذابح الأرمن في بداية القرن الماضي والتي أقيمت في العاصمة الأرمنية يريفان شهر نيسان/ أبريل من العام الجاري، واعتبرت يومها الخارجية التركية أن "هذا النوع من التصريحات السياسية يشكل خرقًا للقانون وتعتبرها تركيا باطلة وكأنها لم تكن". وأضاف بيان صادر عنها: "نرفض وندين وصف أحداث العام 1915 بالإبادة من قبل الرئيس الروسي بوتين رغم تحذيراتنا ودعواتنا".

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان "بالنظر إلى عمليات القتل الجماعي والنفي، التي نفذتها روسيا في القوقاز ووسط آسيا وفي شرق أوروبا على مدى القرن الماضي، نعتقد أنها ينبغي أن تكون أفضل من يعلم ما هي الإبادة الجماعية وما هي أبعادها القانونية". وخلص البيان الى القول "إن تكرار روسيا لهذا الخطأ لن يشجع على السلام وازدهار منطقتنا".

وبالنظر إلى حساسية ما جرى مؤخرًا فإن الرئيس التركي أردوغان قد أوضح بما لا يدع مجالاً للشك وجود نية مبيتة من بوتين لانتهاك السيادة التركية وتوجيه طعنة غادرة في الظهر فقد كشف أردوغان عن الذي دار بينه وبين بوتين سابقاً بقوله: "في حادثة الاختراق الأولى قال لي السيد بوتين: اعتبروا طائرتنا التي اخترقت أجواءكم بمثابة ضيف، فقلت له: لا يوجد ضيف بدون دعوة! لن نسمح لأحد بانتهاك السيادة التركية".

إن زرع سورية بأنظمة الصواريخ س 400 قد تبدو مزحة ثقيلة من شخص لا يجيد المزاح، ولكنها لن تتوج بوتين قيصرًا في المنطقة، وهي في ذات الوقت لن تمنح الجيش الروسي أيّ شرعية لعدوانه الغاشم على سورية، ولن تمنحه كذلك القدرة على حسم أي جولة في محاولاته اليائسة لتغيير الواقع في سورية، وستتحول إلى عبء مضاعف وسبباً إضافياً لزيادة عزلة روسيا دوليًا، ولن يحظى بوتين من عنترياته إلا بالمزيد من الأزمات والورطات له ولشعبه، وهو ما يحتم على الشعب الروسي أن يعيه جيداً ليسارع إلى لجم نزوات زعيمه وحجزه عن المزيد من التهور قبل أن يطلق رصاصة الروليت نحو قلب روسيا.

عن الكاتب

مخلص برزق

كاتب فلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس