هلال قابلان - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

هذه المقالة صعبة، كنت قد كتبت قبل ثلاث سنوات مقالة بعنوان "هلا تصالحنا مع إسرائيل وحاربنا إيران"، أنساني في ذلك الوقت الظلم الجاري في سوريا ما يحدث في فلسطين ودفعني إلى مساندة القضية السورية بشكل واضح، حيث كتبت تلك المقالة التي تحدثت فيها عن عدم إمكانية معاداة إسرائيل وإيران في وقت واحد.

لكن هذه السنوات الثلاث شهدت إراقة دماء أكثر من ثلاثمئة ألف مسلم وترحيل 6 ملايين سوري خارج وطنهم، إضافة إلى عشرات الألوف ممن قضوا تحت نيران الجوع وآلات التعذيب. إيران وبعد توسيع نفوذها ليشمل أربع دول عربية بما فيها لبنان، كانت المحرض الأساسي وبدناءة للبرزاني، وكانت كذلك الملجأ الذي استقبل أفراد العصابات الموالية لها التي خطفت 18 عامل تركي، ولعبت دور الجسر الذي عبر من خلاله أفراد حزب العمال الكردستاني لإنهاء فترة المصالحة مع الدولة.

تلت ذلك مقالة تحت عنوان "إمبراطورية فارس الجديدة"، قلت فيها إن العدو الخارجي الجديد لإيران ليس الولايات المتحدة وإنما تركيا، وطرحت في تلك المقالة مثالا على ذلك قول مساعد وزير الخارجية الإيراني علي يونس: "إن بغداد هي عاصمة إمبرطوريتنا الحديثة، أما أبناء العثمانيين وبقايا  إمبراطورية روما الذين ينافسوننا على المنطقة هم من يعترضون دعمنا للعراق، ونحن سنتكفل بإنشاء الحلف القادر على إيقافهم عند حدهم".

تركيا هي الدولة السنية الوحيدة التي لم تخضع  للميول التوسعية/ الإمبرطورية لإيران ، وهو ما جعلهم يتخذون من شخص رئيس الوزراء طيب أردوغان هدفا لهم، لكننا رغم ما يجري حاولنا ان نحافظ على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

في الشأن السوري، كانت لنا لقاءات مع الطرف الإيراني، لنرى الوضع وكأن فيلًا قد حُبس في غرفة صغيرة أصبح أخذ النفس فيها غير ممكن بعد دخول روسيا هذه الغرفة وإغلاقها للأبواب. ففي نقاشات الوضع السوري، تجد تركيا صعوبة في الجلوس على المقاعد الخلفية في لقاءات الحل فما بالكم بالجلوس على طاولة المفاوضات! خصوصا وأنها الدولة الوحيدة التي تدعم إرادة الشعب وحقه المشروع وتقف ضد المشاريع التوسعية لإيران، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وترفض فتح أبواب الجحيم على الشرق الأوسط بجميع أطرافه.

هذا الأمر يدفعها أحيانا لإطلاق تصريحات أو الدخول في سبل واتفاقيات لا رغبة لها بها -  مع العلم أن هذا هو المعنى الحقيقي للسياسة والسياسة الخارجية - وكأن الدخول في محادثات مع إسرائيل وإعادة إنشاء العلاقات الدبلوماسية معها هي إحدى السبل الإجبارية هذه، وكما قد تحدثت في مقالة الأمس عن أن مثل هذه المحادثات وهذه الخطوة على الطريق لا يمكن أن نطلق عليها اسم "سلام" أو مصالحة وإنما المعنى أو الكلمة الأكثر ملائمة للموقف هي "التطبيع" أو العودة إلى الوضع الطبيعي!

وإلا فإن كلًا من إيران وإسرائيل تملك نفس العقلية والأهداف التوسعية في الشرق الأوسط، وهما وجهان لعملة واحدة وإن كانت تبدو معاكسة لبعضهما البعض فإنهما في الحقيقة وفي الطموح والخيال العدواني تمنح كل منهما "الشرعية" للأخرى، وهذا أمر معلوم.

أظهرت تركيا مرارا وتكرارا وأثبتت وما زالت تثبت أنها مع حرية الشعب السوري ومع كسر الحصار عن غزة وتدعم إرادة الشعب المصري. وفي هذه المسائل وإن كنا الدولة الوحيدة والأولى إلا أنه لا يجب ان نغفل أنه وفي اثناء محاولة تركيا أن تكون وسط كل هذه المحاور إلا أن هناك أولوية في ترتيب الأمور. فالطريق إلى فلسطين يمر من دمشق... وبالمحصلة لا يجب أن نعبث بآمال الشعوب المسلمة المظلومة.

أثناء التطبيع مع إسرائيل

تركيا وفي أثناء تأسيسها من جديد لقاعدة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل يجب أن تتوخى الدقة في أن لا تحدث هذه الاتفاقيات الجديدة تغيرات على موقفنا الذي بدأ مع جملة "دقيقة واحدة" الشهيرة ولا أن توحي بأننا تخلينا عن موقفنا هذا الذي ظهر إلى الوجود من على بعد آلاف الكيلومترات في دافوس. وعلى هذا المنوال فإن حادثة سفينة مرمرة هي مسألة بين مؤسستنا العدلية وأهالي الضحايا، وأتمنى أن لا تتخلى تركيا عن حماس وأن تظل حركة حماس تُحظى بحرية الحركة والعمل في تركيا!

عن الكاتب

هلال قابلان

كاتبة في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس