بريل ديدي أوغلو - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

إن وصول مفاوضات الملف النووي الايراني إلى نهايتها والتوصل إلى اتفاق وحل يترتب عليه الخروج بقرارات لرفع الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، هي نقطة وأمر إيجابي جدا من الناحية الإنسانية، فقرار الحصار الاقتصادي والعقوبات التجارية المفروضة على إيران كانت سببا رئيسيا في زيادة فقر وتعس المواطنين هناك.

ففي بعض الدول التي تعاني من حصار اقتصادي يسعى المواطنون الذين ضاقوا ذرعا للقيام بأعمال شتى سعيا لتغيير السياسة أو السلطة التي تسببت في هذه العقوبات، وهو الأمر الذي تنتظره الدول الفارضة للعقوبات. لكن في العادة الدول التي تتعرض لمثل هذا الحظر الاقتصادي ليست من النوع القابل للتغيير، حيث أن دولًا كثيرة مثل إيران تقوم هي بذاتها بفرض مثل هذه العقوبات والتضييقات على مواطنيها سعيا منها لحماية السلطة وقطع الطريق على أي محاولات خروج علي نظام الحكم، أضف لذلك أنه أحيانا ينقلب السحر على الساحر وبدلا من سعي المواطنيين لتغيير السلطة وقلب الحكم نراهم وقد أصبحوا أكثر "عداء" تجاه الدول الفارضة للعقوبات ويقفون خلف السلطة ونظام الحكم في مواجهة هذه الدول المطبقة للعقوبات الاقتصادية.

فقد فشلت الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في وقف التسلح النووي كما فشلت في تحقيق أهدافها الأخرى. أضف لذلك أن الصفقات التجارية التي لم تعقدها إيران مع دول الغرب تم عقدها وتنفيذها مع دول أخرى، فالعلاقات الإيرانية مع روسيا والصين تأثرت وأثرت في طبيعة الحصار الاقتصادي "الغربي".

الحصار المرفوع

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إزالة ورفع جميع أشكال الحظر المفروضة على تجارة وبيع التكنولوجيا والتسلح النووي باستثناء تلك المفروضة على الدول ذات العلاقات مع التنظيمات الإرهابية. أما الولايات المتحدة فلن تقوم برفع العقوبات جميعها، إضافة إلى أنها علقت وجمدت تنفيذ البعض الآخر، فمنع المواطنين الأمريكان والشركات الأمريكية من ممارسة أي نوع من التجارة مع إيران ما زال قيد التنفيذ. وبالتالي فإن إيران ستدخل في حيز المشاركة في نظام البنوك العالمي من جديد ولكن من خلال استعادتها العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي فقط.

بتحقق هذا الاتفاق تكون أوروبا قد أوجدت مصدرا رخيصا لاحتياجها من الطاقة خصوصا مع انخفاض أسعار البترول ومن جهة أخرى تكون قد فتحت بابا لسوق جديدة قادرة على استيعاب ما تنتجه أوروبا من تكنولوجيا متطورة. فمثلا ستقوم إيران بتوسيع وتقوية إمكانيتها من خلال زيادة إنتاجها من البترول الأمر الذي سيمكنها من شراء 114 طائرة إيرباص من أوروبا.

من ناحية تاريخية فان علاقات إيران التجارية والاقتصادية بأوروبا على درجة من الأهمية خصوصا مع بعض دول مثل ألمانيا ويبدو أن هذه العلاقات تستعيد أيام مجدها من جديد.

البعد الاستراتيجي

المسألة من ناحية استراتيجية يمكن تلخيصها بالتالي، إيران التي تم دفعها وإبعادها عن أوروبا وجدت في الدب روسيا حضنا دافئ لها مما أدى إلى تطور العلاقات بين الدولتين بشكل عام والتجارية بشكل خاص. رفع الحصار وإزالة العقوبات ولو جزئيا ما هو إلا محاولة لاستعادة إيران أو بمعنى آخر محاولة لخلخلة العلاقات الإيرانية – الروسية. لكن هناك عقبة في طريق ذلك، حيث أن محاولة إعادة كسب إيران ليست من قبل الغرب ككل وإنما من قبل القسم الأوروبي من الغرب.

يمكننا القول إن الاتفاق الإيراني الأوروبي قد تم تنظيمه وصياغته في ضوء ثلاث فرضيات مهمة، أولها: في سبيل إضعاف روسيا وكبح جماحها لا بد من إضعاف العلاقات الروسية الايرانية بشكل يحقق أستقلالية كاملة عن روسيا ويحرر كل من أوروبا وإيران من قبضة موسكو. الفرضية الثانية هي أن إيران قد تكون ورقة لتحقيق مساعي الدول الأوروبية لتطبيع العلاقات مع روسيا وما طهران إلا طريق إلى موسكو، وهو الأمر الذي على ما يبدو لم تقبل به الولايات المتحدة ولم توافق عليه. أما الفرضية الأخيرة: فهي أن أمريكا وفي إطار محاولاتها لتخفيف التوتر الروسي العالمي تحاول ومن خلال بعض اللاعبين تخفيف الضغوط الروسية وتحرير العالم من قبضة الروس.

تلميح أخير، اجتماع وزراء الخارجية الروسي والأمريكي المزمع عقده في الخامس والعشرين من الشهر الجاري في جنيف سيكون مغلق، وهناك إشارات أن أوروبا تملك مخيلة عن طبيعة هذا الاجتماع، لكن أي بادرة لخلخلة التوازن الأمريكي الروسي قد يترتب عليها انسحاب وتنصل بعض الدول الأوروبية مجبرة من بعض اتفاقاتها كما سبق وتنصلت من الملف الإيراني.

عن الكاتب

بريل ديدي أوغلو

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس