جلال سلمي - خاص ترك برس

تصنف قطر على أنها دولة صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان، إذ تبلغ مساحتها 11.5 ألف متر ويبلغ عدد مواطنيها الأصليين من مجمل سكانها 300 ألف نسمة، ولكن من حيث التطور الاقتصادي والنفوذ والتأثير السياسي والفكري تتفوق قطر على غيرها من الدول العربية.

في ظل رياح الثورات العربية العاصفة، لعبت قطر دورًا كبيرًا في دعم وتأييد الثورات، وشكلت لوحدها بخلاف الدول الخليجية والعربية قطبًا منفصلًا متميزًا بدعم الثورات العربية وتأييدها، ومع قوتها السياسية الناعمة الملموسة ومع تنويع علاقتها السياسية مع عدد كبير من الدول حول العالم، تواصل قطر مسيرتها لتصبح أكثر الدول العربية نشاطًا وتأثيرًا من ناحية سياسية.

ووفقًا لتحليل الباحث الاستراتيجي "جمال الدين تاشكان"، في دراسته الأكاديمية "العملاقة قطر والناهضة تركيا"، التي نُشرت على الصفحة الإلكترونية لمركز أنقرة للدراسات الاستراتيجية، فإن من أوجه التباين بين قطر والدول العربية الأخرى دعمُها القوي للثوار عبر وسائل إعلامها القوية، وعلى رأسها الجزيرة بكافة قنواتها، ولم تكتفِ بالدعم الإعلامي بل قدمت قطر أيضًا الدعم المادي واللوجستي لبعض الثوار وخاصة الثوار السوريين، كما أصرت على دعمها لثورات الربيع العربي، حتى بعد ظهور الثورات المضادة بدعم سعودي وإماراتي، وغامرت بعلاقتها الحيوية مع دول الخليج الأخرى حتى سحبت الكويت والمملكة العربية السعودية سفيريهما وخفضتا درجة العلاقات بينهما وبينها.

وأضاف تاشكان في هذا الشأن أن خفض المملكة العربية السعودية والكويت لمستوى التمثيل الدبلوماسي لم يُثني قطر عن دورها بشكل كامل، بل قامت بالاعتذار لملك السعودية الراحل "عبد الله بن عبد العزيز" وترحيل عدد قليل من منتسبي جماعة الإخوان المسلمين خارج حدودها، ولكن دون الاتجاه لتغيير سياستها تجاه الثورات العربية بشكل جذري، بل استمرت وسائلها الإعلامية بإعلان دعمها الصريح للثورات وأهداف ثوارها.

 موقف قطر الراسخ جعل منها عنصرًا سياسيًا مهمًا ليس فقط على المستوى الإقليمي بل على المستوى الدولي أيضًا، فاليوم أصبحت قطر تلعب دور الوساطة الأساسي بين الولايات المُتحدة الأمريكية ومقاتلي طالبان في أفغانستان من خلال مكتب طالبان المفتوح في الدوحة، وتلعب دور الوساطة بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة من خلال حجمها السياسي المؤثر على الساحة السورية، ومن المتوقع يقينًا أن تلعب قطر دور الجسر الواصل بين تركيا وروسيا، عقب الأزمة الأخيرة التي أصابت الدولتين على خلفية قيام تركيا بإسقاط إحدى الطائرات الروسية المُخترقة لأجوائها.

وأضحت قطر اليوم أقوى دولة عربية من ناحية سياسية ولا منازع لها، حتى المملكة العربية السعودية لم تستطع أن تتفوق على القوة السياسية الدبلوماسية الناعمة لقطر على الرغم من مساحتها الواسعة ومصادرها الاقتصادية الضخمة وعدد نسماتها الكبير.

وفي سياق متصل، أوضح الدكتور الأكاديمي "علي أوغوز ديري أوز"، المختص في مجال العلاقات الدولية والباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية "أورسام"، في دراسته الأكاديمية "العلاقات التركية القطرية وتأثيرها الاستراتيجي على المنطقة، أن قطر حازت على هذه الأدوار الدبلوماسية الأساسية على الساحة الدولية، بسبب دورها الأساسي في ملئ الفراغ الذي لم تقم أي دولة عربية أو إقليمية بملئه، حيث حملت رسالة دعم للثورات العادلة والشعوب المقهورة الملهوفة، وهذا ما جعلها محل ثقة لهذه الثورات والشعوب وجعلها الدولة الوحيدة القادرة على تمثيل هذه الشعوب دبلوماسيًا والتأثير عليها وعلى سياستها والضغط عليها في بعض النقاط التي تصب في مصلحة المنطقة، على النقيض التام من الدول العربية الأخرى التي لعبت دورًا انطوائيًا محاربًا لثورات الربيع العربي التي رأتها تشكل خطر محدق عليها وعلى أنظمتها.

وأردف ديري بالقول أوز إن رؤية قطر كانت مختلفة عن بقية الدول العربية، حيث تمحورت حول رؤية دعم الشعوب وليس الأنظمة، للحصول على دور سياسي استراتيجي جدير بالثقة ودور دبلوماسي مميز يؤهلها لتكون الدولة العربية الأكبر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالفعل قطر باتت دولة مفتاحية في حل العديد من القضايا العالقة في المنطقة.

وعلى صعيد التقارب التركي القطري القوي والمُلفت للنظر، تُعزى قوة العلاقات التركية القطرية إلى تقارب وتشابه المواقف تجاه الثورات والقضايا السياسية في المنطقة، حيث أن الطرفين يدعمان كافة الثورات العربية دون أي ازدواجية ويدعمان حماس في صراعها ضد "إسرائيل" كحركة يحق لها الدفاع عن نفسها ودرء الاعتداءات الإسرائيلية "غير المسؤولة" عن الشعب الفلسطيني الأعزل.

وترتكز الأرضية العامة للعلاقات التركية القطرية  بشكل عام على التكامل والتوازن، إذ أن قطر أصبحت قوة سياسية تأثيرية على الصعيد الإقليمي، بينما تركيا أصبحت قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، وفي حقيقة الأمر تأثير قطر السياسي على الساحة العربية أقوى من تركيا وذلك لأن قطر تمتلك صرحًا إعلاميًا تأثيريًا ضخمًا وقويًا وسمعة سياسية طيبة ومتينة على الساحة العربية نتيجة لدعمها الوفير للثورات، واعتمادًا على كون قطر دولة ذات حكم ملكي مُطلق فإن لنظام حكمها حرية مُطلقة في دعم هذه الثورات على النقيض من تركيا ذات النظام الديمقراطي البرلماني الذي يحد من تقديمها الدعم المطلق للثورات العربية.

وفي ضوء هذا الوضع العام لتركيا وقطر، تقوم الدولتان على تبادل الأدوار التكاملية للتعامل مع القضايا العالقة في المنطقة، حيث تقوم قطر بتولي الدور الدبلوماسي والسياسي النشط وتقوم تركيا بتولي دور الدعم السياسي والدعم اللوجستي الاقتصادي والعسكري، ومن الأمثلة النموذجية على ذلك؛ بينما تقوم تركيا بمحاولة إيصال الدعم اللوجستي للفصائل الثائرة المعتدلة في سوريا بحذر، تقوم قطر بعقد اجتماعات دبلوماسية نشطة مع قادة هذه الفصائل وإيصال مطالبهم إلى الجهات الدولية التي تلعب دورًا مهمًا في حل هذه القضايا مثل الولايات المُتحدة الأمريكية وروسيا، وفي حين تحاول تركيا استهداف داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي تعمل قطر على دعم التحرك التركي دبلوماسيًا وإعلاميًا بوصفه أنه تحرك من أجل المصلحة العامة للمنطقة".

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس