جلال سلمي - خاص ترك برس

تخوض تركيا، في الآونة الأخيرة، حربًا شاملة ضد عناصر حزب العمال الكردستاني الإرهابية "بي كي كي" التي تحصنت في بعض النواحي التابعة للمدن الجنوب شرقية والشرقية، وتحاول تركيا من خلال هذه العملية صد عناصر بي كي كي عن تحقيق مأرب بعض الجهات الأجنبية التي تسعى إلى تقسيم تركيا وإشغالها بالجبهة الداخلية، وبالتالي عزلها عن الساحة الخارجية.

وعلى صعيد آخر، تواجه تركيا خطر العمليات الإرهابية التفجيرية التي تستهدف أمنها في المدن الكُبرى، وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول، وتبذل تركيا جهودًا مضنية للحيلولة دون استمرار الجهات الإرهابية في تقويض أمنها الداخلي.

وفي سياق كيفية تناول وسائل الإعلام لتحركات تركيا الرامية إلى حماية جبهتها الداخلية، أوضح الخبير السياسي "برهان الدين دوران"، المنسق العام لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا"، أن وسائل الإعلام الغربية تصور كل هذه الإجراءات الأمنية التي يحق لأي دولة سياسية حول العالم تطبيقها لحماية أمنها، على أنها إجراءات "ساحقة" لحقوق الإنسان وحرياته، وإجراءات ظالمة ضد الأقلية الكردية "الذي ذاقت الكثير من الويلات في ظل عيشها تحت العلم التركي"، منوّهًا إلى أن الهدف من ذلك واضح وضوح الشمس، وهو دعم رؤية مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتضمن إقامة دولة كردية في منطقة الشرق الأوسط، تكون مقتطعة من إيران والعراق وسوريا وإيران.

وفي مقاله المدرج بصحيفة صباح "هدفكم هو تقويض الحلول الممكنة في المنطقة"، أشار دوران إلى أنه يجب على الصحف الأمريكية التي لم تتناول ولو بسطر واحد التفرقة العنصرية التي تمارسها الشرطة الأمريكية ضد السود والمهاجرين، أم أن كل ما تمارسه الولايات المُتحدة الأمريكية على صعيد الجبهة الداخلية والخارجية، وإن تضمن اختراقًا فادحًا للحقوق والحريات، أمر طبيعي، وقيام الدول الأخرى باتخاذ إجراءات أمنية، مع مراعاة حقوق الإنسان، لحماية حدودها وتأمين جبهتها الداخلية أمر ظالم يتضمن انتهاك حقوق الأقليات والإنسان؟

القوانين والأعراف الدولية تمنح الدول حقها في تأمين جبهتها الداخلية، ولكن في إطار رعايتها لحقوق الإنسان. وتركيا، اليوم، تسمح لجميع منظمات حقوق الإنسان المختصة بالعمل داخل أراضيها ومتابعة التحركات التي تقوم بها، وليس لها ما تخفيه في ضوء تحركها المعتدل لحماية جبهتها الداخلية، ولم ترصد هذه المنظمات حتى الآن أي اختراق فعلي لقوات الأمن التركية في أي نقطة من نقاط الجبهة الداخلية التي تحاول تأمنيها.

وعلى صعيد متصل، ألمح مركز الدراسات المنطقية التركي، في تقريره "الصورة النمطية لتركيا في الصحافة الغربية" إلى أن الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا، تحاول تشويه صورة تركيا لتبرير موقفها الرافض لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، موضحًا أن هذه الدول تسوغ موقفها بهذا الشكل حتى تنال الدعم الشعبي لموقفها، وهذا ما يدل على عدم موضوعية هذه الصحف في تصويرها لتركيا على أنها دولة متخلفة وظالمة تخرق القوانين في تعاملها مع الأقليات. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت هذه الصحف تصور تركيا على أنها الداعم الأساسي للإرهاب في المنطقة.

وأكد المركز أن هذه الصحف لم تذكر يومًا الدعم الأمريكي لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي أُعلن من قبل أكثر من منظمة دولية على أنه منظمة إرهابية، أو دعم الحكومة الألمانية لحزب العمال الكردستاني، ومده بالدعم اللوجستي والبشري أيضًا، مبينًا أنه حتى لو قامت هذه الوسائل بذكر تلك الحقائق، فلن تضعها في نصابها الصحيح، بل ستجعل من هذه المنظمات منظمات ثورية تدافع عن نفسها ضد الظلم الذي لا وجود له.

وعلى ما يبدو أن  التقارب التركي الأوروبي الذي ظهر للسطح مؤخرًا،  لم يفلح في إيقاف التحامل الإعلامي الغربي على تركيا، ولم يحالفه الحظ في تغيير صورة تركيا في الصحف الغربية، رغم إبداء تركيا كافة استعداداتها للتعاون المشترك مع الاتحاد الأوروبي، لحل أزمة اللاجئين المتفاقمة.

التحامل الإعلامي الغربي والتقدم التركي تدور بينهما علاقة طردية، حيث إذا استمرت تركيا في تقدمها فإن التحامل الإعلامي الغربي عليها سيستمر ولن يتوقف، فتركيا اليوم تشكل عددًا من التحديات السياسية والاقتصادية للغرب، ولا يبرح الغرب، اليوم، أي وسيلة ممكنة لإحباط تقدم تركيا، وإلا ويستخدمها، حيث أنه إلى جانب الوسائل السياسية الخشنة، فإنه يرى وسائل الإعلام أيضا ً آلة ناجعة لكبح التقدم السياسي والاقتصادي الذي حققته وتحققه تركيا على الصعيدين الإقليمي والدولي.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس