ترك برس

فريدون سينيرلي أوغلو، أحد الأسماء الأطول عمرًا في العمل بمنصب وكيل لوزارة الخارجية التركية، ويُعد الرقم الأصعب في تسيير المفاوضات السرية التي أجرتها وما زالت تُجريها تركيا مع الدول والمنظمات حول العالم.

التعريف بمسيرة سينيرلي أوغلو كان موضوع تقرير للجزيرة ترك بعنوان "فريدون سينيرلي أوغلو، الصندوق الأسود"، نتناوله فيما يلي.

قامته الطويلة وشخصيته الكاريزمية وحضوره الدائم إلى جانب وزراء الخارجية الأتراك، جميعها عناصر يزخر بها سينيرلي أوغلو ويلفت من خلالها جميع الناظرين إليه، وعلى الرغم من أن الكثير لا يعلمون من هو إلا أن وزراء ومستشاري وزارات خارجية الدول الأخرى يعلمون جيدًا أنه الذراع الأساسية والصندوق الأسود لوزارة الخارجية التركية.

الدبلوماسي الصريح

سفير الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق إلى تركيا فرانسيس ريكاردوني، قال في تصريح للجزيرة ترك إن "جميع المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية مجموعة في صندوق ضخم وقديم يُدعي فريدون سينيرلي أوغلو"، مضيفًا أنه "يحظى بقدرٍ عالٍ من الاحترام في واشنطن، لما يتمتع به من صراحة في تعامله الدبلوماسي، وهذا ما يجعل جميع المسائل والأمور تؤول إليه في النهاية."

وفي نفس السياق، صرح المستشار الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألاون لايل، للموقع ذاته بأن "سينيرلي أوغلو رجل يجيد عمله كدبلوماسي، إذ يتمتع بجدية ملحوظة تدفعه للدخول في موضوع النقاش مباشرة دون إضاعة الوقت."

الدبلوماسي العنيد

تذكر مصادر مقربة من وزارة الخارجية التركية أن العناد الذي يتحلى به سينيرلي أوغلو، هو الذي ساهم بشكل كبير في استمرار تركيا بفرض شروطها تجاه إسرائيل، نتيجة الخلاف الذي ظهر بين الطرفين على خلفية الهجوم الإسرائيلي لأسطول الحرية، حيث تفيد المصادر المذكورة أنه بعد احتدام وتيرة المفاوضات بين تركيا وإسرائيل، ذهب داود أوغلو، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك، إلى الاكتفاء بقبول شرط الاعتذار والتخلي عن شرطي دفع التعويضات ورفع الحصار عن غزة، ولكن سينيرلي أوغلو هدد حينها بالاستقالة إذ تم ذلك، مبينًا أن تركيا يجب أن تظل على موقفها تجنبًا للاحراج الدولي، وهو ما حدث بالفعل.

البيروقراطي صاحب المسؤولية والموقف

وُصِف سينيرلي أوغلو بأنه بيروقراطي صاحب مسؤولية وموقف، يُدافِع عن فكره ورأيه بشدة وبمسؤولية، ومع أن الكثير من المستشارين العاملين في وزارة الخارجية يتجهون عادةً لترك عملية اتخاذ القرارات للسياسيين أي الوزراء، إلا أنه يقدم على إبداء رأيه وموقفه والدفاع عنه بشدة متحملًا مسؤوليته وغير آبه إلى اعتراض الوزير أو رضاه.

دبلوماسي تقليدي

الدبلوماسية التقليدية تعني عدم مناقشة القضايا العامة أمام الرأي العام، وعدم الظهور أمام الإعلام بشكل مستمر والعمل على حل مسائل الدولة بالسرية والكتمان، وهذه الصفة الرئيسية لسينيرلي أوغلو.

الدبلوماسي الأطول عمرًا في السياسة الخارجية التركية

سينيرلي أوغلو هو ابن مدينة غيرسون، وُلد فيها بتاريخ 30 كانون الثاني/ يناير 1956، وسط عائلة يعمل مُعيلُها في القطاع العام. تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدينة غيرسون، وبعد ذلك انتقل إلى مدرسة إسطنبول الثانوية، وإن لم يكن الأول على فصله إلا أنه كان مُمَثّله، فبذلك غُرست به بذور الدبلوماسية منذ أن كان شابًا يافعًا.

تخرج الدبلوماسي الشاب من الثانوية العامة لينتقل إلى قسم العلاقات الدولية التابع لكلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة، وعندما تخرج منها قال لزملائه "لن أعود لأنقرة بعد اليوم". كان يهدف سينيرلي أوغلو حينذاك للعمل كأكاديمي جامعي، إذ انتقل إلى جامعة بوغازيتشي وأكمل هناك دراسته العليا حتى مرحلة الدكتوراه، كان موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة به "نظرة إيمانويل كانت لحقوق الإنسان".

تخرج سينيرلي أوغلو عام 1980، ولم يمض الكثير حتى حدث الانقلاب العسكري الدموي، فقرر على إثره عدم الالتحاق بوزارة التربية والتعليم كأكاديمي، والتحق بوزارة الخارجية بعد 4 أعوام من تخرجه، للعمل بها بشكل مؤقت، ولم يكن هناك في حسبانه العمل في وزارة الخارجية لفترة طويلة.

عمل سينيرلي أوغلو عضوًا للملحقية الثقافية التركية في لاهاي، وفي عام 1988 انتقل إلى لبنان حيث الحرب الداخلية والعدوان الصهيوني، وبقى هناك حتى عام 1990، وعمل ببيروت مع ثلة من أصدقائه في ملجأ، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي واجهها في بيروت إلا أنه يصفها حتى هذا اليوم بالساحرة.

بعد عودة سينيرلي أوغلو إلى أنقرة عمل مستشارًا للمستشار الأول في وزارة الخارجية التركية آنذاك "أوزدام سان بارك". نالت كتاباته التحليلية إعجاب رئيس الوزراء التركي حينذاك سليمان دميريل فأمر بتعينه مستشارًا إعلاميًا له على الرغم من عدم لقائه به قبل ذلك إطلاقًا. عندما أصبح دميريل رئيسًا للجمهورية عام 1996، عمل سينيرلي أوغلو مستشارًا للعلاقات الخارجية الخاصة بالرئاسة. ومن أبرز المواقف المؤثرة لسينيرلي أوغلو في أثناء عمله في ذلك المجال هو كتابته لخطاب التهديد الذي وجهه دميريل لسوريا عام 1998 فيما يتعلق باحتضانها لأوجلان وبعض عناصر حزب العمال الكردستاني، وقد اختصر رئيس القوات البرية جزءًا من ذلك الخطاب الذي أسهم في ترحيل أوجلان من دمشق.

وإلى جانب عمله كمستشار للشؤون الداخلية في رئاسة الجمهورية التركية، عمل مستشارًا سياسيًا للبعثة التركية الدائمة في الأمم المتحدة ما بين عامي 1992 و1996، وظل في عمله حتى بدايات الألفية الثالثة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!