محمود أوفور – صحيفة صباح

أدى إقامة العلاقات التركية الإسرائيلية مجددًا إلى بعث الأمل ليس لدى هاتين الدولتين فحسب، بل في مناطق أخرى بلا شك، في عالم متشائم بفعل التطورات الحاصلة في الاتحاد الأوروبي. وإن لم يفسح اتخاذ خطوة سلام "صغيرة" في منطقة هي الأكثر تعقيدًا المجال لتأثير الفراشة ولكنه خطوة مشجعة في وقت نمت فيه تيارات العنصريين والانعزاليين في الاتحاد الأوروبي خاصة، والسخط من الانفصالات وتصاعد الإرهاب مع حروب الوكالة، وحتى إطلاق الصرخات عن بدء الحرب العالمية الثالثة. لأن في عالمنا يعد شريان السلام هو الأقوى من أي وقت مضى كما يسارع إلى النجدة في اللحظات الأكثر يأسًا. كما أنه بمثابة نجاح كبير لصالح الإنسانية وليس لصالح دولتين فحسب تحقق مع دولة مثل إسرائيل خاصة لديها قدرة عالية على خلق المشاكل وإيجاد حل في المنطقة، وقوة بإمكانها التأثير على الإعلام والسياسة في العالم.

قد لا تحتاج هذه الخطوة إلى إفساح المجال لنتائج كبيرة جدًا، ولكن الحفاظ على احتمال السلام حياً يعد أمرًا مفرحًا. وازدياده بشكل طبيعي فيما بعد. وكذلك تنشيط عمليات سلام جديدة في العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وروسيا والدول العربية.

وبالطريقة نفسها ستؤثر بعمق على السياسة الداخلية لكل من تركيا وإسرائيل. والواضح من الآن هو: إن الأوساط المعارضة التي انتقدت السلطات في كل من تركيا وإسرائيل حتى الأمس غير راضية عن النتيجة. وبينما يتحدث الإسرائيليون عن "هزيمة شديدة" يتحدث الأتراك عن "عدم رفع الحظر عن غزة" أو "اتفاق هش جرى مع تعويضات".

ومما لا شك فيه أنه ستوجه انتقادات، وسيتحدثون عن قصور ولكن من المتعذر تفسير تجاهل القائلين بأن "السلطة في تركيا جعلت من الجميع عدوًا" منذ البداية كونها خطوة سلام ستؤثر عميقًا على المنطقة.

في حين يكاد بعض الفاعلين السياسيين يرتدون ملابس الحداد حزنًا على تلاشي الحجة التي كانوا يستعملونها من أجل استنزاف السلطة. ولذلك ينبغي على المعارضة القيام بدور منفتح وبنّاء أكثر في حقبة تاريخية قلبت العالم رأسًا على عقب. كما سيمارس الضغط نفسه على أقسام محافظة ستنتقد حزب العدالة والتنمية.

وإن مارست أحزاب المعارضة خاصة دورًا سلبيًا في لحظات انتعاش الأمل بالسلام، فقد أصبح التقليل من شأنهم وانقسامهم أمرًا لا مفر منه. ويضاف إلى هؤلاء تراجع عمليات التصور الموجهة إلى تركيا من الإعلام العالمي والأوساط السياسية على امتداد 3 سنوات.

ويمكن للبعض اعتباره مبالغة ولكن اعتقد أن تأثير التوتر التركي الإسرائيلي كان كبيرًا جدًا.

وبالرغم من جميع التطورات السلبية والأزمات العالمية فإنه لن يكون غريبًا حدوث تطورات مفاجئة في السياسة الداخلية إلى جانب تطبيع العلاقات مع روسيا كما جرى مع إسرائيل في السياسة الخارجية، واستمرار الاستثمارات الكبيرة، وعدم زعزعة الاقتصاد.

وفي الختام: إن تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية سيؤدي إلى ازدهار المنطقة بالكامل وليس علاقات الدولتين فحسب، وسيكون الغاز الطبيعي من الناحية الاقتصادية مثالًا على ذلك، والتخفيف من التشدد كما في سياسة حماس. وبذلك إن اتخاذ خطوة سلام في منطقة شديدة الخطورة، يمكن اعتبارها امرًا مبهجًا ومشجعًا.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس