زاهد جول - صحيفة الشرق

منذ أن وقع الانقلاب في تركيا يجري الحديث عن الأسباب الداخلية والخارجية، وقد أصاب كثير من الباحثين بالقول إنه لا يوجد مبرر أمام الجيش التركي للقيام بهذا الانقلاب، فالشعب التركي لم يكن ينتظر انقلابا عسكريا ولا متلهفا لوقوعه، حتى يظن الانقلابيون أنهم يُقدمون خدمة أو خلاصا للشعب طال انتظاره، ولذلك لابد من البحث عن الأسباب الداخلية والخارجية لدى الجهة التي خططت ونفذت الانقلاب مساء الجمعة 15 يوليو 2016، وهو تنظيم الكيان الموازي في التصنيف الرسمي التركي، وهو جماعة الخدمة التي يرأسها فتح الله جولن المقيم في بانسلفانيا في أمريكا منذ عام 1998، وهو يحرض ضد تركيا وليس ضد حزب العدالة والتنمية وحكوماته وقادته فقط، ولذلك فإن الأسباب الداخلية محصورة في هذه الجماعة بنسبة كبيرة جدا، والنسبة الأخرى الصغيرة تابعة لمصالح المجموعة العسكرية الانقلابية التي تحركت بأوامر أو بتنسيق مع جماعة جولن، مثل كبار الجنرالات، بينما تبين أن معظم العسكريين من صغار الرتب العسكرية والجنود لم يكن لهم علم بمشاركتهم بعملية انقلابية، وأنهم نزلوا إلى الشوارع بدباباتهم وعرباتهم العسكرية بتعليمات تدريبات عسكرية لمكافحة الإرهاب داخل إسطنبول على الجسور وقرب المطار وغيرها.

هذه الجماعة التي أسسها جولن كجمعية خيرية خدمية في بداية السبعينيات، أصبح لها انتشار ثقافي واسع في عقد الثمانينيات، وهذه الجماعة ترفض أن تكون جماعة أو حزب سياسي، ولكن انقلاب 1980 الذي قاده الجنرال كنعان ايفرين وظفها أو تعاونت معه في قمع حركة نجم الدين أربكان، بحجة أن أربكان يدمج الدين في السياسية، وهو خلاف فكر جولن، بحسب زعمه، بينما أجاز جولن أن يستغل الانقلاب العسكري جماعة الخدمة ضد حزب سياسي مرخص، وتم الانقلاب عليه عسكريا بغير حق عام 1980، وهذا الموقف من جولن تكرر في الانقلاب 1997 ضد الحكومة المنتخبة، ومع ظهور حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2001 كمنافس لحزب السعادة حزب نجم الدين أربكان، ظن جولن أنه سيستطيع مناهضة أربكان من خلال تأييد حزب العدالة والتنمية واستغلاله، ومن هنا بدأت مرحلة التعاون بين فتح الله جولن وأردوغان، وفي نظر جولن أن أردوغان سيكون خادما له مثل باقي أتباعه، ولكنه وجد من أردوغان شخصية أخرى لا تخضع لأوامر الشيخ، لأن أردوغان لم يكن من جماعة الخدمة أولًا، وكان منتخبًا من الشعب، ويتحمل مسؤولية قراراته أمام البرلمان وأمام الشعب التركي، فلن يطيع شيخا يرفض أن يكون في الساحة السياحية ويعتبر السياسة نجاسة كما يصرح جولن، ثم يريد أن يكون هو صاحب القرار السياسي الذي تتخذه الحكومة التركية، من هنا بدأت الاختلافات بين جولن وأردوغان، وقبل أن يصل الطرفان إلى الاختلاف العميق قام أردوغان بإقرار قوانين وتعديلات تشريعية تتيح للإسلاميين دخول الوظائف الرسمية التي منعوا منها منذ تأسيس الجمهورية بحجة أن الدولة التركية دولة علمانية، وبذلك فتحت حكومة العدالة والتنمية بزعامة أردوغان الأبواب لجماعة جولن وغيرها إدخال عناصرها في الوزارات والمؤسسات الأمنية والقضاء التي حرموا منها سابقًا، سواء دخلوا وهم يعلنون انتمائهم أو بصورة سرية.

هذه التشريعات التي سعى لها أردوغان لم تكن خاصة بحزب معين أو بجماعة معينة وإنما لكل الشعب التركي بحكم المساواة بين أبناء الشعب التركي بتولي الوظائف العامة بعدالة ودون تمييز وبالأخص لأسباب دينية، وهذا التشريع من حزب العدالة والتنمية استغله جولن، فركز جولن على إدخال أتباعه في وزارات الاتصالات والداخلية والعدل والقضاء والشرطة وغيرها، وبصورة علنية، أو سرية حيث يمنعون من دخول وظائف معينة، وهذا ثابت في تسجيلات سرية لجولن يوجه فيها اتباعه لدخول هذه الوزارات والوظائف بما فيها داخل مؤسسة الجيش والمخابرات والدرك والشرطة، فلما وقعت احتجاجات يونيو 2013 في ميدان تقسيم، تبين أن جماعة جولن مشاركة فيها ضد الحكومة وضد حزب العدالة والتنمية، وبينت التحقيقات أن العملية لم تكن مجرد احتجاجات شعبية، وإنما هي جزء من انقلاب مدني لأن الجيش لم يدعمه، فقد تحركت عناصر من الشرطة ووزارة العدل من القضاة والمدعين العامين للقيام باعتقالات لوزراء متهمين بالفساد تابعين لحزب العدالة والتنمية، كان ينبغي أن يعقبها اعتقال لرئيس الوزراء حينها وهو رجب طيب أردوغان، ولكن جهاز المخابرات التركية كشف ذلك، ومع إنكار جولن لذلك إلا أنه كرر نفس المحاولة في شهر ديسمبر 2013، وقد أثبتت التحقيقات القانونية فيها تورط جماعة جولن بالتجسس على كل وزراء الحكومة التركية بما فيها رئيس الحكومة أردوغان، والتجسس على نحو مليوني مواطن تركي لهم مراكز اجتماعية أو اقتصادية مرموقة، وكأن جماعة جولن تقوم بالتجسس على كل مفاصل الدولة التركية للسيطرة عليها، وكانت النقطة الفاصلة والتي جعلت جماعة جولن جماعة إرهابية هو ثبوت ضلوعها بالتجسس على اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي، وما كشف ذلك تسريبها لمعلومات قيل إن مجلس الأمن القومي التركي بحثها، في حالة اضطرار تركيا للتدخل العسكري في سوريا، وكان هدف جماعة جولن إثبات تورط الحكومة التركية وأردوغان بدعم المعارضة السورية العسكرية داخل سوريا، وكذلك اتهمت بضع شاحنات متوجهة إلى الجنوب بأنها تنقل أسلحة للمعارضة السورية دون علم مؤسسة الجيش، تبين كذبها، وهذا فتح الباب على التحقيق مع جماعة فتح الله جولن ومحاكمة كل من تورط بالتجسس، سواء كان من الشرطة أو المدعين العامين أو القضاء أو موظفي وزارة الاتصالات أو غيرهم، ومن حينها اعتبر مجلس الأمن القومي التركي جماعة الخدمة وحركة جولن تنظيما إرهابيا معاديا للدولة التركية، ووضع على قائمة التنظيمات الإرهابية التي تعمل الدولة التركية على محاربتها حماية للأمن القومي التركي، وأدرجت هذا الكيان في الكتاب الأحمر، وهو الكتاب الذي يصنف التنظيمات والدول التي تقع في سلم أعداء تركيا، وينبغي اتخاذ الإجراءات القانونية الأمنية ضدها.

ورغم كل المواقف االعدائية لجولن ضد الدولة والحكومة التركية إلا أن الحكومة لم تعاقب أحدا منهم قبل.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس