د. أحمد موفق زيدان - خاص ترك برس

مرة أخرى أعود إلى التجربة التي عشتها في أفغانستان، ولعل سائلًا يسأل لماذا أفغانستان والجواب واضح فالتجربة الشامية استنساخ للتجربة الأفغانية من حيث اللعبة واللاعبين والمتلاعبين، وما اختلف فقط هو الجغرافيا، وحين نسمع اليوم عن التلويح بتهديد تركيا بإقامة كيان كردي على حدودها أتذكر تلك اللعبة الروسية التي كانت تلوح للرئيس الراحل ضياء الحق -رحمه الله – بإنشاء كيان بلوشي وبشتوني على حدوده أملًا في ابتزازه وإرضاخه للتخلي عن المجاهدين الأفغان ورميهم في فم الدب الروسي.

ومع قناعتي باختلاف طفيف في المسألتين إذ كانت أمريكا إلى جانب باكستان بينما اليوم أمريكا وروسيا تناصبان العداء لصاحب الباب العالي في إسطنبول، ولكن هذا لا يمنع من استحضار ذاك الدرس، فقدر الكبار والحواضر الكبرى أن تدفع ثمنها وثمن غيرها، وقدر إسطنبول اليوم أن تواصل سيرة الأجداد.

لكن هذا الأمر لا يؤخذ بهذه البساطة، فقد تعرض ضياء الحق لضغوط رهيبة من أجل التخلي عن المجاهدين قبل الهزيمة السوفياتية وبعدها، تمثلت الأولى في تفجيرات رهيبة تعرضت لها المدن الباكستانية وتحريك عملاء موسكو والهند من حزب العوام القومي اليساري كما يحصل اليوم في تركيا، وسعت أمريكا إلى تركيعه من خلال فرض اتفاقيات جنيف لسرقة النصر الأفغاني منه ومن حلفائه المجاهدين الأفغان، ففجرت مخازن أوجري قرب إسلام آباد الخاصة بالمجاهدين الأفغان كما تحدثث كثير من المصادر الأمنية، وحين رأت إصرار وعناد ضياء الحق قررت التخلص منه كما تشير التقارير الرصينة فكان استشهاده في تحطم طائرة تقل كبار العسكريين الباكستانيين ومعهم السفير الأمريكي وملحقه العسكري في آب/ أغسطس 1988.

حدث من قبل أن صمد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله أمام إغراءات مؤسس الدولة الصهيونية الحقيقي تيودر هيرتزل حين التقى السلطان وعرض عليه التنازل عن فلسطين مقابل تسديد كل ديون السلطنة العثمانية، وهو عرض لو قبله السلطان بالذريعة السياسية الآنية المتعارف عليها اليوم من فقه مصالح البعض وفقه واقعهم، لكانت ربما وبالتأكيد السلطنة لم تسقط ولم تنهار، ولكن السلطان الذي استحضر المسؤوليتين الشرعية والتاريخية قال قولته المشهورة والمعروفة من أن فلسطين أرض وقف لا يمكن التنازل عنها، فكان الرد على موقفه خسران عرشه، تمامًا كما خسر بعده بحوالي مائة عام تقريبًا الملا محمد عمر عرشه لرفضه تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن للأمريكيين.

لم يتذرع السلطان عبد الحميد بأن السياسة فن الممكن، وأن الحفاظ على عرشه والسلطنة والحكم هو أولى من التخلي عن قطعة من أراضي المسلمين، وربما يدرك تمامًا ألاعيب الغرب والشرق في أنهم لن يسمحوا له بالبقاء في السلطة حتى ولو تخلى عن فلسطين، اليوم يتكرر المشهد، ابتزاز روسي وأمريكي لتركيا بخلق كيان كردي على حدودها، إن لم تتخل عن الجهاد الشامي، والأعجب انه على الرغم من تعهدهم بعدم دخول غلاة الكرد لمنبج فقد دخلوها، تمامًا كما وعدوا من قبل أن الحشد الشيعي لن يدخل الفلوجة من قبل ثم دخلها وكذلك الأنبار، ومن قبل وعدوا باكستان ألا يدخل التحالف الشمالي كابول بعد خلع طالبان عن السلطة ثم دخلوها، وهي سلسلة في النكث بالوعد، وسلسلة بالمقابل تطالبنا بألا نثق بهم أو أن نصدقهم.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال فإن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، ولا سمح الله لو تخلت تركيا عن الجهاد الشامي ولن يحصل بإذن الله، فإنها لن تمنع بذلك قيام كيان كردي على حدودها وتكون بالمقابل قد خسرت لا سمح الله أيضاً حاضنتها الإسلامية الشامية وغير الشامية.

التحرك الروسي الأخير بنشر قاذفات استراتيجية في قاعدة همدان الإيرانية لقصف الشام ودكها، له رسالة واحدة بالنسبة لي وهي أن روسيا فقدت صوابها، ومعها إيران، فما كان للأخيرة أن تسمح لها بذلك لولا الخسارة الرهيبة التي منيت بها في معركة الأمة بحلب، بالإضافة إلى أن قوة الدول الكبرى في التلويح باستخدام القوة، وحين تستخدمها يعني فقدت كل ما في جعبتها، وستُجرأ عليها من اعتدت عليهم، وصدقت الصحف الروسية حين قالت تعليقاً على هذا التطور العسكري الخطير عليهم والمؤذن بقرب الفرج للشام وأهلها" لقد غاصت روسيا في الوحل السوري."

عن الكاتب

د. أحمد موفق زيدان

كاتب وصحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس