محمد عبد العظيم - خاص ترك برس

عندما نتحدث عن التاريخ العظيم للدولة العثمانية، يتبادر إلى الذهن دائما خلفاء الدولة وسلاطينها  العظماء الذين حاربوا وفتحوا وانتصروا وتوسعوا. 

وننسى أن هناك قادة آخرين كان لهم الدور الأبرز والأعظم فيما وصل إليه بنو عثمان من قوة وعزة.

هؤلاء القادة هم علماء الدولة العثمانية.

هم العظماء الحقيقيون الذين كان لهم الدور الأعظم في فتوحات العثمانيين وانتصاراتهم،  فعندما ندرس سيرة سلاطين الدولة العثمانية الذين حقّقوا أعظم الفتوحات والانتصارات أمثال محمد الفاتح وسليم الأول وبايزيد الصاعقة  وسليمان القانوني سنجد أن خلف  كل واحد من هؤلاء الأبطال عالم عظيم غرس فيه معنى الرجولة والإباء، غرس فيه معنى التضحية والفداء، غرس فيه حب الدين والتضحية من أجله، والجهاد في سبيل إعلاء رايته. 

عندما نتحدث عن علماء الدولة العثمانية فإننا نتحدث عن رجال أحسنوا التربية فتخرّج على أيديهم جيل من العظماء سادوا العالم كله. 

نتحدث عن علماء لم يخافوا سلطانا ولم يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا. علماء سبقت أقوالهم أفعالهم فتقدموا صفوف  المجاهدين.

ومن هؤلاء العظماء المجهولين الذين لا يعرفهم إلا القليل:

الشيخ آق شمس الدين

العالم والمعلّم والمجاهد، هذا الرجل الذي ربى محمد الفاتح صاحب البشارة وفاتح القسطنطينية. 

يعتبر الشيخ آق شمس الدين من أعظم علماء الدولة العثمانية، ويعتبره المؤرخون الفاتح المعنوي للقسطنطينية، فدائما ما كان يحمّس تلميذه ويشجّعه لفتحها.

وقد كانت له رحمه الله مواقف عظيمة في  التربية والجهاد  والعلم،  ويكفي أن نذكر موقفه يوم القسطنطينية عندما حاصر المسلمون القسطنطينية ولم يستطيعوا دخولها  فضاقت الدنيا بالسلطان محمد الفاتح الذي أخذ يبحث عن شيخه ليشكو له صعوبة الفتح، فإذا به يجد الشيخ آق شمس الدين ساجدا يبكي يتذلّل لله بأن ينصر المسلمين وقد سقطت عمامته من على رأسه فاستبشر محمد الفاتح وعاد إلى جيشه فإذا بالأخبار تأتيه بأن المسلمين قد استطاعوا اختراق أحد ثغور القسطنطينية فكبّر السلطان وقال والله إن فرحتي بوجود آق شمس الدين في جيش المسلمين أعظم من أي فرحة أخرى، فبأمثاله يتنزل نصر السماء.

شمس الدين فناري

العالم والشيخ والقاضي، هذا الرجل الذي أرسى قواعد العدل في الدولة العثمانية،  لم يخش حاكما ولم ينافق سلطانا أقام حدود الله وتصدّى لمن فرّط فيها، وقد تعدّدت مناقبه وأفضاله في التاريخ.

ومن أعظم مواقفه، عندما جاءه السلطان بايزيد الصاعقة أحد أعظم سلاطين الدولة العثمانية ليشهد في إحدى القضايا، نظر إليه  شمس الدين فناري وصاح فيه: شهادتك مردودة أيها الرجل لأنك لا تحافظ على الصلاة في جماعة، ومن لا يحافظ على الجماعة يمكنه أن يكذب،  فطأطأ السلطان رأسه وخرج وأمر ببناء مسجد بجوار قصره ولم يترك جماعة منذ ذلك الوقت.

علاء الدين الجمالي

أحد أعظم العلماء والفقهاء في تاريخ الإسلام، وليس الدولة العثمانية وحسب،  كان مثالا للتقوى والورع، كانت تأتيه الفتوى فيغلق على نفسه الباب ويجيب عليها حتى لا يرى صاحب الفتوى فيدخل قلبه شيء من الدنيا في فتواه.

ومن مواقفه العظيمة رحمه الله، عندما قرّر السلطان سليم الأول قتل بعض حفّاظ الخزينة في الدولة لتقصيرهم،  غضب الشيخ فكيف يقتل السلطان مائة وخمسين شخصا لمجرد خطأ، فذهب للسلطان سليم وقال له أيها السلطان هذا الأمر لا يجوز فغضب سليم الأول وصاح في الشيخ هذا الأمر لا يعنيك، فرد عليه الشيخ بل هذا واجبي أن أنهاك عن الخطأ  فإن عفوت أيها السلطان فقد نجوت وإلا فينتظرك عذاب عظيم،  فتراجع السلطان وأمر بالعفو عن حفاظ الخزينة.

أبوالسعود أفندي

كان من العلماء الربانيين الذين لا يتراجعون عن قول الحق، ولا يهاب أحدا في فتواه.

ومن أعظم فتاويه، عندما أفتى للسلطان سليمان القانوني بضرورة مهاجمة البندقية التي كانت تمثّل خطرا على المسلمين،  وكذلك أفتى بضرورة فتح قبرص. وكان السلطان القانوني لا يتخذ خطوة إلا بالرجوع للشيخ أبوالسعود أفندي.

الشيخ مصطفى صبري

وأختم بهذا العالم الفذ والمجاهد الحق آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية، هذا الرجل الذي وقف وحيدا يواجه التغريب والعلمانية والماسونية،  كان رئيسا لجريدة “بيان الحق” التي جعل منها منبرا للدفاع عن الإسلام ومهاجمة أعدائه ومحاولة إعادة الصحوة لهذه الأمة،  حتى تربّص به أعداؤه وتحالفوا ضده، ومع ظهور الكماليين اشتدت الحرب على الشيخ ولكنه لم يستسلم وظل ينافح عن الإسلام، حتى وافته المنية عام 1954.

هذه جولة سريعة مع بعض الأبطال الحقيقيين الذين كان لهم دور كبير في صناعة إمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات التي حكمت العالم.   ويبقى الكثير من العظماء الذين لم يتّسع الوقت لذكرهم وربما نذكرهم في كتابات قادمة.

وتظل الحقيقة، أن هذه الأمة تنتصر وتنهض وتسود عندما تكون الكلمة فيها للعلماء الربانيين، الذين لا يخشون في الله لومة لائمة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس