محمود أوفور - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

عبرت تركيا مؤخرًا عن إرادتها في تغيير "النظام البرلماني" الغريب المحدد لسياستها والمولد لأزمات متواصلة، وخطت الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك. وإن استطاعت تجاوز أزماتها سيمرر مشروع تعديل النظام السياسي عبر البرلمان ثم يطرح على الاستفتاء الشعبي. غير أن المسألة ما تزال تعالج وفق إدعاءات لا أساس لها مثل "التخلص من البرلمان، والتحول إلى الديكتاتورية" وتثير الاضطرابات.    

وبهذا الخصوص أود أن نقل بعض البراهين عن كيفية النظر إلى مسألة النظام السياسي في العالم. كتبت سابقًا عن وجود براهين هامة في كتاب "أنماط الديمقراطية" لمؤلفه أرند ليبهارت. حيث يتناول المؤلف بالتفاصيل الدقيقة آراء الخبراء، والتجارب العالمية المتعلقة بكلا النظامين بموضوعية. وتكمن خلاصة بحثه في التعريف المتكامل للديمقراطية. فقد سبق أن صاغ أبراهام لينكولن ذلك التعريف قبل 250 سنة حينما قال: "إن الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب، ومن الشعب، ومن أجل الشعب".

وبما أن ذلك لم يتحقق فإننا نتعرض لآلام عميقة. وبالرغم من تمهيد الشعب الطريق أمام السياسة من خلال الاقتراع عقب كل انقلاب لكنه فشل في تخليص المؤسسات من الوصاية. ويلخص حسين يايمان هذا الاستنتاج في كتابه "النظام الرئاسي وإصلاح الدولة في تركيا" بالقول: "إن النظام الحالي في تركيا هو نظام تغلب على العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخلال سنة ونصف غير الحكومة التي أحدثت إنقلاباً في البلاد طوال عشر سنوات، وسددت ديونها، وعقدت 19 اتفاقية استعداد ائتماني مع صندوق النقد الدولي".

ذلك أن تحقيق "سيادة الشعب" لم يكن بالسهل لدى العديد من الدول. كما أن الكثير منها يدار من خلال النظامين الرئاسي والبرلماني في آن واحد. وبهذا الشأن صدرت أكاذيب غربية في الأونة الأخيرة. كالقول بأن النظام الرئاسي الديمقراطي الوحيد موجودٌ في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، أو الحديث عن وجود دكتاتوريات إلى الآن في دول مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي والأورواغوي وكوستاريكا في أمريكا الجنوبية أو دولة مثل كوريا الجنوبية. وهي أمور ليست صحيحة على الإطلاق.

وبالعودة إلى كتاب ليبهارت الذي أشرت إليه، قام المؤلف بدراسة 36 دولة. تشمل 6 أنظمة رئاسية، و29 أنظمة برلمانية والأنظمة الهجينة مثل سويسرا. وجميعها أنظمة ديمقراطية. ولكن بوجود دول مثيرة للاهتمام كهذه، فإنها تصنف بوصفها أنظمة "رئاسية" وإن بدت برلمانية. نتيجة وجود جوانب خاصة لديها، مما يعني سريان مفعول ما يدعى "بالنموذج التركي" على جميع الدول. ومما ورد في كتابه أيضاً: "إن 6 من أصل 36 دولة ديمقراطية قمنا بدراستها يمكن إدراجها ضمن نظام شبه-رئاسي. وهي أستراليا، وفنلندا، وفرنسا، وإيسلندا، وإيرلندا، والبرتغال".      

غير أن جميع تلك الدول باستثناء فرنسا معروفة باتباعها للنظام البرلماني. ومن النقاشات المهمة أيضاً كان الحديث عن صلاحية عزل الرئيس أو البرلمان كما لو أنه لا يوجد مثال عن ذلك في العالم أجمع. وبالطبع هو أمر لا صحة له، لوجوده في إسرائيل وفرنسا. وفيما يتعلق بموضوع العزل لا يذكر ليبهارت وجود الكثير من الإجراءات المختلفة لدى الأنظمة البرلماني.  

ولكن موضوع النقاش الأهم هو حول رئيس الجمهورية أو رئيس الحزب. ولفهم المنطق الكامن وراء هذا الأمر يكفي الإشارة إلى البرهان التالي: "يستمد الرئيس قوته من ثلاثة مصادر. أولها، صلاحياته المنصوص عليها في الدساتير. وإصدار المراسيم التشريعية أو النقض. والثاني، المساواة والوحدة بالسلطة داخل الهيئة التشريعية لدى الأحزاب الرئاسية. أما الثالث فهو انتخابه من الشعب مباشرة أي يستمد سلطته منه".  

ويتضح مما سبق وجود رئيس للحزب في مناطق عديدة. أما مشكلة المعارضة في تركيا ليست في البحث عن نظام أفضل. لأنه لو كان الأمر كذلك ونظر إلى الأمور في ضوء ما يحدث في العالم طوال الوقت لما تعرضوا لتلك الضغوطات. غير أن المشكلة لا تقتصر على الضغط فحسب؛ بل يكمن الخطر الأساسي في وجود معارضة عاجزة عن مواكبة التطورات العالمية. وهي مشكلة أعمق مما تبدو عليه بكثير.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس