محمد زاهد جول - عربي 21

فاجأتنا زيارة رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم بغداد ولقاؤه مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل أيام، فقد جاءت بعد صدامات سياسية وتراشق كلامي بين كبار مسؤولي الدولتين، ولكن للسياسة أحكامها، وكلام الليل يمحوه النهار، ونهار السلام والوضوح بين أنقرة وبغداد خير من ظلام العداوة والخسارة المتبادلة، لذلك كان لا بد أن يحمل يلدرم رسالة أساسية لبغداد بأن الأمن القومي التركي خط أحمر، ولا ينبغي أن يؤتى من قبل العراق، فتركيا تقاتل على الحدود السورية وتدعم الجيش السوري الحر في درع الفرات لحماية أمنها القومي ولا تسعى لاحتلال أراض سورية ولا غيرها، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحا للحكومة العراقية، التي قد تخضع لضغوط إيران وحرسها الثوري، فالسفير الإيراني في بغداد يأمر إقليم كردستان بطرد القنصل السعودي من أربيل بحجة عدم وجود حاجة له، علما بأن السفير الإيراني في بغداد هو نائب سابق لقاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وتدخله في إقليم كردستاني يعني أنه يتجاوز وجود حكومة عراقية في بغداد أصلا.

وحيدر العبادي نفسه هو من طلب من رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أغلو في أواخر عام 2014 التعاون والتنسيق في محاربة داعش وإرسال قوات تدريب تركية إلى معسكر بعشيقة، وقد بدلت هذه القوات عدة دوريات تغيير للجنود الأتراك هناك دون معارضة عراقية، ولكن وبأوامر إيرانية تحركت حكومة العبادي لإثارة هذه المشكلة إعلاميا وسياسيا ودوليا ضد تركيا، والهدف منها إحراج الحكومة التركية، وحاولت أمريكا أن تصطف إلى جانب إيران والعبادي، بقولها إن تواجد القوات التركية في بعشيقة ليس ضمن القوات الدولية المحاربة للإرهاب، ولكن ذلك لم يجبر الحكومة التركية على تغيير موقفها، وأصرت على بقاء فرق التدريب العسكرية التركية في معسكر بعشيقة مع الجنود الذين يحمونهم، حتى جاءت زيارة يلدرم إلى بغداد وإقرار حكومتها بحق القوات التركية البقاء في بعشيقة حتى تحرير الموصل من داعش أولا، وتحرير سنجار من مقاتلي حزب العمال الكردستاني ثانيا.

لقد نص البيان المشترك الصادر في ختام المباحثات الرسمية بين العراق وتركيا على نقاط مهمة منها: "عدم السماح بتواجد أي منظمات إرهابية على أراضيهما، وعدم القيام بأي نشاط يهدد الأمن القومي لكلا البلدين"، وحيث أن تركيا لا تقيم على أراضيها من يعادي الحكومة العراقية فإن هذا البند مخصوص بحزب العمال الكردستاني، الذي يسعى لجعل سنجار ولاية خاصة به، ومعسكرا لتجميع قواته لمحاربة تركيا، أو تهريب الأسلحة من خلالها للقيام بعمليات إرهابية داخل تركيا، فالحكومة العراقية المركزية وكذلك حكومة إقليم كردستان الآن مطالبتان قانونيا باتفاقهما مع تركيا بحماية الأمن القومي التركي، وعدم استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات على تركيا.

يلدريم لم يخف موقفه الصريح وهو في بغداد وفي المؤتمر الصحفي مع العبادي قائلا:" إن تركيا ستسحب قواتها من بعشيقة بعد أن تستتب الأوضاع هناك، وتصريحكم بعدم السماح لحزب العمال الكردستاني بإلحاق الضرر بتركيا من الأراضي العراقية غاية في الأهمية، وأن قوات البيشمركة والقوات العراقية ستتخذان الإجراءات اللازمة لطرد الإرهابيين من مدينة سنجار، وأن التعاون سيتواصل للقضاء على التهديدات القادمة من الأراضي العراقية باتجاه تركيا".

فرئيس الوزراء التركي يلدريم لم يلتزم بسحب القوات التركية من بعشيقة فورا وإنما بعد استتباب الأوضاع في بعشيقة، وهذا يلزم الحكومة العراقية بتحقيق ما هو مطلوب منها قبل أن تطالب بخروج القوات التركية من بعشيقة، علما بأن إصرار تركيا ليس طمعا بالأراضي العراقية، وإنما ليفرض على الحكومة العراقية منع نشاطات حزب العمال الكردستاني في كل العراق وليس في سنجار فقط، وهذا سيقطع الطريق على إيران وحرسها الثوري أو أي قوات تابعة له في العراق من تقديم دعم لحزب العمال الكردستاني، وإلا أصبحت إيران وحرسها الثوري مخلة بالاتفاق العراقي التركي.

هذا الاتفاق يؤكد وجود حقوق تركية أمنية في العراق، وأن استغلال محاربة داعش لا يمكن أن يمر حيلة للأحزاب الكردية في العراق أو في سوريا واستهداف الأمن القومي التركي، وكما أقرت الحكومة العراقية بذلك، فإن على الحكومة الأمريكية في عهد ترامب أن تلتزم بذلك أيضا، فالتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا وتسليحه وإعطائه الأراضي التي لا يملكها، هو اعتداء على الحقوق العربية، وتركيا لن توافق على ذلك وعلى الدول العربية أن ترفض ذلك علانية أيضا، بل وأن تعمل ضده بصراحة، فالدول العربية مطالبة بتقديم الدعم للشعب السوري على أرضه، وفي المؤتمرات السياسية التي تبحث مستقبل سوريا.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس