محمود أوفور - جريدة صباح

لا ينبغي علينا الاستغراب من الخلافات الداخلية التي تجري داخل حزب الشعب الجمهوري المعارض، ولا ينبغي علينا استبعاد احتمال استقالة العديد منهم، فقد كتبت ذلك مرارا وتكرارا، "الألاعيب داخل حزب الشعب الجمهوري لم تنته" ولن تنتهي.

أسباب ذلك عديدة، على رأسها عدم قدرة الحزب على مواجهة تاريخه الماضي، وما يرتبط بذلك من عدم قدرته على ممارسة السياسة المعارضة بصورة صحيحة، فلو نظرنا إلى الوضع الذي نحن فيه، سنجد أننا على أبواب انتخابات عامة، متبقي عليها 5 أشهر فقط، وسنجد أيضا أن الحزب الوحيد الذي يشهد صراعات داخلية، وتُمارس فيه ألاعيب بيزنطية هو: حزب الشعب الجمهوري.

من الطبيعي أن يضم كل حزب مجموعات مختلفة، لها آراء متنوعة، ومن الطبيعي أن تشهد الأحزاب السياسية استقالات، لكن، لا يمكننا أن نرى مثل تلك اللعبة البيزنطية إلا في حزب الشعب الجمهوري المعارض، فبعد استقالة "أمينة أولكار تارهان" القومية، سارعت بتأسيس حزب جديد لها، أطلقت عليه اسم حزب الأناضول، وربما ستنضم لهذا الحزب أسماء أخرى، لكن هل من الممكن لهذا الحزب أن ينافس في الانتخابات القادمة؟ هم أيضا يدركون تماما أنّ الإجابة القطعية لهذا السؤال هي: لا.

بكل تأكيد هناك فئة ليست بالقليلة من القوميين منزعجين من أداء إدارة حزب الشعب الجمهوري، لكن ذلك لا يصل إلى حد تأسيس حزب جديد، فهذا الحزب عند حصوله ليس على نسبة الحسم 10%، وإنما على نسبة 2-3% سيكون بالنسبة له نجاحا!

بقراءة تلك المعطيات، هل تعتقد "أمينة تارهان" أنّ قرارها بتأسيس حزب جديد، قرارٌ منطقي؟ مع علمها بأنّ الأعداد التي من الممكن أن تنفصل في هذه المرحلة عن حزب الشعب الجمهوري قليلة جدا بسبب قرب الانتخابات، فحتى "ديليك أكاغون يلماز" أبرز المحسوبين على القوميين، قد صرّح بصورة واضحة أنه لن يستقيل ولن ينفصل عن حزب الشعب الجمهوري، لكن هذا يعني أنّ هناك حسابات أخرى يجري تصفيتها من خلال هذا العمل.

أنْ تقل نسبة حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات القادمة بما مقداره 2-3%، سيؤدي إلى زيادة الضغط على "كمال كلتشدار أوغلو" رئيس الحزب المعارض، وهذا ما يجري العمل عليه الآن، فهناك محور داخل حزب الشعب الجمهوري ممثلا بـ"دينيز بايكال"-"محرم إنجه"، سيدعم أيضا توجه "تارهان" من الخارج من أجل القضاء على "كلتشدار أوغلو".

يسعون من خلال تصفية الحسابات هذه لتحقيق هدفين، الأول، هو أنْ يحصل القوميون في حزب الشعب الجمهوري على مقاعد أكثر في مجلس الأمة خلال الانتخابات العامة القادمة، والهدف الثاني السيطرة على حزب الشعب الجمهوري بعد تلك الانتخابات.

حزب الشعب الجمهوري اليوم يمر بأصعب الظروف، فالصراعات الداخلية وتصفية الحسابات بين أعضاء الحزب وزعمائه المفترضين، سيجعله منهكا لفترة قادمة، لكن هناك أمر مبهم يجري النقاش حوله، وهو ما يدعيه البعض بأنّ "عهد كلتشدار أوغلو قد انتهى فعليا، لكنّنا سنرى إذا كان سيترك الحزب قبل الانتخابات أم بعدها".

القوميون داخل حزب الشعب الجمهوري يريدون تحقيق مزيد من الضغط على "كمال كلتشدار أوغلو" قبيل الانتخابات، وذلك من خلال انفصال "تارهان" وتأسيس حزب جديد، ومن خلال استخدام نفوذهم داخل الحزب، وهكذا سيعجلون برحيل "دار أوغلو" سريعا، والسؤال المطروح، ماذا سيفعل رئيس الحزب الحالي تجاه ذلك؟ هذا غير معروف، فهو لم يتحرك ولم يقرر أي شيء حتى الآن.

كل تلك المعلومات تشير إلى حقيقة واحدة، وهي أنّ الألاعيب البيزنطية لن تنتهي في حزب الشعب الجمهوري، وهذا بسبب وضعه  حزب العدالة والتنمية هدفا لسياسته، فمنذ عام 2010 قام بتجربة كل الطرق الممكنة من أجل الإطاحة بحزب أردوغان، حتى وصل به الأمر لترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو لرئاسة الجمهورية.

بعد فشله المتكرر في تحقيق أهدافه، سيخسر حزب الشعب الجمهوري أصوات الناس بصورة قاسية خلال الانتخابات القادمة، ولن يخسر الحزب لوحده، بل سيخسر القوميون أيضا.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس