أحمد عبد الرحمن - خاص ترك برس

 بعد فتح القسطنطينية من قبل العثمانيين عام 1453م وتحكمهم بشطري مضيق البوسفور، قاموا بمحاولات عديدة لإقامة جسر دائم فوقه، هدفه انتقال الناس والبضائع بين شطري العاصمة الجديدة للعثمانيين إسطنبول كما سموها. ظهرت هذه المحاولات باكراً ايام السلطان بيازيد الثاني بن السلطان محمد الفاتح، الذي طلب من خبراء عثمانيين وضع مشروع لإنشاء جسر فوق خليج القرن الذهبي. عندما وصل الخبر إلى مسامع العالم الشهير ليوناردو دافنشي سرعان ما وضع مخططاً لهذا الجسر.

لم يقم دافنشي بزيارة مدينة إسطنبول في حياته أبدا، إلا أن ثمة صلة نشأت بينه وبينها تعود إلى العام 1500م، حين احتل الفرنسيون دوقية ميلانو وقبضوا على حاميه الدوق لودوفيكو سفورزا، ما اضطره للهروب إلى نابولي، وهناك تعرف على تجار عثمانيين وبدأت العلاقة بينهما. وقبل ذلك يقال إن السلطان الفاتح طلب من دافنشي القدوم إليه ولكن الأمر لم يثبت تاريخيا.

أرسل دافنشي للسلطان بيازيد الثاني رسالة يعلمه فيها بوضعه مخططاً لجسرٍ فوق القرن الذهبي، ويعرض عليه ثلاثة مشاريع أخرى هي طواحين هوائية، ومضخات هيدروليكية لإفراغ السفن من الماء بدون استخدام أسلاك أو حبال، إضافة لجسر آخر فوق البوسفور. هذه الرسالة مكتوبة بالخط العثماني (غالباً من قبل مترجم)، وهي موجودة في المتحف العثماني في إسطنبول وتحمل الرقم E6184 وقد تم نشرها في العام 1938م. ونورد هنا ترجمة نص ما كتبه بخصوص الجسرين في هذه الرسالة:

"لقد سمعت يا سيدنا أنكم تحاولون إنشاء جسر من غالاطة إلى إسطنبول، وعلمت أنكم لم تعثروا على أحد يستطيع إنشاءه، عبدكم الذي سمع وفهم يمكنه ذلك، سيقام جسر عالٍ على قنطرة للعبور فوقه، ولأن الناس لن تجرؤ على العبور فوق جسر مركب على قنطرة بهذا الارتفاع فقد فكرت بإنشاء حاجزين على جانبيه، وسبب تصميم القنطرة بهذا العلو هو السماح بمرور السفن تحته بحرية، وإذا تفضل سيدنا أستطيع بناء جسر آخر قابل للفتح و الإغلاق يمتد لغاية ساحل الأناضول، ومن أجل تجنب تآكل القناطر بفعل الماء المتحرك بشكل دائم، فقد فكرت بحل يمنع ضرر الماء للقناطر".

وفيما يبدو أنه رفض لمشروع جسري دافنشي التزم السلطان الصمت ولم يرد على رسالة دافنشي.

في الحقيقة كان مشروعا الجسرين سابقين لزمانهما، وفي حين تبدو إمكانية إنشاء جسر قابل للفتح والإغلاق فوق البوسفور مستحيلة في ظل عدم وجود كابلات فولاذية في ذلك الوقت، فإن جسر القرن الذهبي كان يستحق المحاولة، مع أنه لو نُفِّذَ لكان أول جسر في العالم يشيد بهذا الشكل المقنطر.

لنتخيل الآن لو أن السلطان الفاتح كان مكان ابنه هل كان سيوافق على إنشاء جسر القرن الذهبي أم لا؟

في الحقيقة كان السلطان الفاتح رجلاً مقداماً عالماً يحب الاختراعات و تجربة الاشياء الجديدة، وفي استقدامه للعالم أوربان الذي صنع له المدفع العملاق خير مثال على ذلك، فلربما لو كان موجوداً لأعطى أوامره ببناء جسر القرن الذهبي، ولربما استفسر من دافنشي علمياً بخصوص الجسر الآخر، ولكن الابن بيازيد الثاني لم يكن يشبه أباه، لعل هذا ما جعله يتردد في إنشاء جسر القرن الذهبي، خصوصاً أن رسالة دافنشي لم تتضمن مخططات تفصيلية للجسرين. بعد سنوات طويلة عثر بين مخطوطات دافنشي في مكتبة دوفرانس في باريس على ورقة تحوي رسوماً لما يعتقد أنه مخطط لجسر القرن الذهبي، يظهر في التصميم المرسوم جسر فوق قنطرة بعرض يزيد على 25 مترا، وبارتفاع 41 مترا عن سطح الماء في وسطه، وبطول 350 مترا.

قد يتبادر للأذهان سؤال فضولي: ترى هل صمم دافنشي - وهو العالم السابق لعصره- هذا الجسر ليكون قادراً على الصمود في وجه زلزال مثلاً؟ خاصة أن إسطنبول منطقة زلازل! للأسف لن يتسنى لنا معرفة ذلك الآن.

على كل حال، في العام 2001م تم تدشين جسر للمشاة فوق الطريق السريع الذي يربط مدينتي أوسلو وبيرغن، اعتماداً على تصميم ليوناردو لجسر القرن الذهبي لكن مقاييسه كانت ما بين 25 و30 في المئة من المقاييس الأصلية للجسر.

في 21 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2012م، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - كان آنذاك رئيساً للوزراء - عن عزم بلاده على إنشاء الجسر الذي صممه ليوناردو دافنشي فوق القرن الذهبي، وسيبلغ طول الجسر عند إنشائه نحو 220 متراً، وعرضه 10 أمتار، وسيعلو عن سطح الماء في وسطه 25 متراً، مما يسمح للسفن بالمرور من تحته، كما وعد ليوناردو دافنشي قبل أكثر من خمسة قرون.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!