حسن بصري يالتشين – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

دفعت مرحلة أستانة قوى حلف الشمال الأطلسي "الناتو" ونظام الأسد ومؤيديه إلى الالتقاء في نقطة مشتركة، وقد سعوا لتحويل ما حدث خلال قمّة طهران إلى فرصة لصالحهم، وأعلنوا عن فشل مرحلة أستانة، ورداً على ذلك أشارت تركيا إلى أن مرحلة أستانة لم تفشل بعد، إذ لم تتأسس مرحلة أستانة بناء على توافق وجهات النظر لتفشل بسبب اختلاف وجهات النظر، على العكس تماماً كانت مرحلة أستانة عبارة عن محاولة وصول إلى اتفاق بين القوى الدولية بسبب اختلاف وجهات النظر، ولكن لم يعترف البعض بهذا الواقع، وزعموا أن مرحلة أستانة باءت بالفشل وأنه لا يمكن إيقاف روسيا في إدلب.

في البداية حاولت قوى الناتو ونظام الأسد ومؤيديه نشر الرعب في العالم، وزعموا أن روسيا لن تتراجع عن قرارها، بل وأن روسيا تستعجل المسألة لتبدأ بقصف إدلب، وأن الهدف الحقيقي لروسيا هو تجزئة الناتو، وأن هذا الهدف هو سبب فتح روسيا المجال أمام تركيا، وأن روسيا تستغل تركيا، وأن إصرار تركيا لا يحمل أي معنى، وأنه يجب على تركيا تقبّل هذا الواقع، والكثير من أمثال هذه المزاعم، لكن عند المشاهدة من منظور ما بعد قمّة سوتشي يمكننا رؤية اللوحة الموجودة بشكل أوضح.

تشير نتائج قمّة سوتشي إلى أن روسيا تستطيع الحفاظ على بقائها في الساحة على أرض الواقع، وأنها لا تهدف إلى مجزرة طائفية كما يفعل نظام الأسد، وأنها لا تسعى للتوسع مثل إيران وترضى بالمجال الذي توسعت به إلى الآن وترغب في الحفاظ على هذا المجال، إضافةً إلى أن روسيا تعطي الأولوية لضمان أمان قواعدها العسكرية في الساحة السورية، وأنها مُنفتحة للمفاوضات، وكذلك تفضّل المفاوضات الدبلوماسية على تنفيذ عملية عسكرية قد تكلفها ثمناً باهظاً، ولا تهتم بالموجودين في إدلب لطالما لا يوجد أي خطر يهدد قواعدها العسكرية، وليست مرتبطة بنظام الأسد وإيران، بل ويمكنها الضغط على نظام الأسد وإيران وتضييق مجال فعالياتهم أيضاً، وكذلك توضّح نتائج قمّة سوتشي أن روسيا تأخذ موقف تركيا بعين الاعتبار وتعطي الأهمية للرأي التركي، وترى أنها مضطرة لإجراء المفاوضات مع تركيا، ومن جهة أخرى أشارت روسيا إلى أن مشكلتها لا تقتصر على إدلب فقط، بل تشعر بالقلق تجاه الخطوات التي قد تتخذها أمريكا وإسرائيل والدول الأخرى فيما يخص مسألة إدلب، خصوصاً أن إسرائيل بادرت بخطوات غريبة عقب قمّة سوتشي، وأعتقد أن ضعف روسيا التقني في الساحة الجوية السورية قد اكتسب وضوحاً أكبر في تلك الليلة، وذلك يُعتبر مشكلةً كبيرة بالنسبة إلى قوة روسيا في ردع الدول الأخرى، وفي السياق ذاته قد تضطر روسيا لتعزيز قواتها في سوريا.

أعتقد أن روسيا تشهد على تغيّر ملموس في مفهوم الخطر بالنسبة لها ولذلك تقترب من تركيا يوماً تلو الآخر، وتُعتبر قمّة سوتشي الشاهد الأكبر على الواقع المذكور، ويمكن القول إن مسألة إدلب قد انتهت لصالح تركيا في حال لم تواجه عوائق ومشاكل جديدة، والمراحل القادمة أكثر غرابة من السابقة، إذ يبدو أنه يوجد احتمال بدء المفاوضات حول شرق الفرات وشرق البحر الأبيض المتوسط خلال الفترات القادمة.

من المعروف أن أجندة الأعمال التركية تعطي الأولوية لمسألة حزب الاتحاد الديمقراطي في شرق الفرات، ومن جهة أخرى يزداد التوتر في شرق البحر الأبيض المتوسط، إذ يبدو أن الخطوات التي ستتخذها أمريكا وإسرائيل والجانب الرومي من قبرص الشمالية في شرق البحر الأبيض المتوسط ستشكّل مصدر ازعاج بالنسبة إلى تركيا وروسيا، وبناء على ذلك يمكن لهاتين المنطقتين -شرق الفرات وشرق البحر الأبيض المتوسط- أن تكون محوراً لاتفاقيات جديدة في تركيا وروسيا، وبطبيعة الحال ستستمر مشاكل الثقة بين الدولتين التركية-الروسية في المستقبل، وفي جميع الأحوال ليس هناك ما يدعو للثقة الزائدة، لكن هناك نقطة واضحة جداً، وهي أن اللوحة الجيوسياسية الجديدة تدعو تركيا وروسيا للتعاون والاتفاق في هذا الصدد.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس