ترك برس

نشرت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية مقالا تحليليا مطولا للصحفية الكندية تانيا غودسوزان الخبيرة في الشأن العراقي، ويوسف إريم محلل الشؤون الدفاعية التركي، ذهبا فيه إلى أن تركيا تمتلك القوة الناعمة التي تمكنها من تحجيم النفوذ الإيراني في العراق.

ويستهل المقال بالإشارة إلى أن الانسحاب الأمريكي من سوريا أثار وجهات نظر متضاربة حول تداعيته، حيث يزعم البعض أن الفراغ الأمني ستملؤه إيران وروسيا بسرعة. ولكن ما يتضح على نحو متزايد هو أن تحرك الرئيس دونالد ترامب يشير إلى التعهد لتركيا من الباطن بعمليات مكافحة الإرهاب. وسيكون ذلك فرصة أيضا لتركيا لتوسيع نفوذها أكثر.

وبعبارة أخرى، يرى كثير من مراقبي الشرق الأوسط، أن الساحة تركت من جديد لمنافسين تاريخيين. وإذا كانت الإمبراطوريتان العثمانية والصفوية تنافستا في الماضي على الهيمنة على المنطقة، فقد تتنافس أنقرة وطهران اليوم.

ويلفت الكاتبان إلى أن الدعوات إلى مشاركة تركية أكثر قوة في المنطقة ليست جديدة، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، جاءت معظم هذه الدعوات من الدول العربية المجاورة التي تخشى نفوذ إيران المتنامي. وقد تراجعت هذه الدعوات مع تدهور العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي، ولكن هناك اهتماما متجددا في الآونة الأخيرة بدور تركي أكبر، خاصة من المجتمعات السنية المهمشة في العراق.

ويتساءل الكاتبان كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل تستطيع تركيا أن تعزز نفوذها في العراق؟ ومن سيفوز بعقول وقلوب العراقيين، تركيا أم إيران؟

النفوذ الإيراني: تراجع أم نمو؟

تظهر آخر استطلاعات الرأي انخفاضا ملحوظا في عدد الشيعة العراقيين المؤيدين لإيران. والسبب الرئيسي لهذا الانخفاض هو أن الحكومة العراقية التي تسيطر عليها أحزاب شيعية مدعومة من إيران، أخفقت في تحسين مستويات المعيشة. بالإضافة إلى ذلك، فسر البعض النصر البرلماني الساحق للكتلة الصدرية على أنه دليل على أن إيران تخسر نفوذها في العراق.

ولكن هناك تقارير أخرى تشير إلى أن نفوذ إيران لم يزد، لكن وجودها أصبح الآن راسخًا في العراق. وكما يقول أحد المحللين، فقد أدى هذا الوجود إلى (أيرنة العراق). وفي كلتا الحالتين، يبدو أن هناك إجماعًا على أن إيران قد هزمت الولايات المتحدة في معركة النفوذ في العراق.

وفي حين أن الأقلية السنية المهمشة قد تدعو تركيا إلى المساعدة في تحجيم نفوذ إيران حسب المجلة، يبدو أن الأحزاب السياسية العراقية الأكثر نفوذاً مستعدة لتحمل النفوذ الإيراني كبديل للهيمنة الأمريكية، كما أن الصدريين على الرغم من الضجة التي يثيرونها، فإنهم ليسوا معادين لطهران كما يفترض البعض.

إذن أين يترك هذا تركيا؟

الدبلوماسية والتعاون سلاح تركيا وليس المطالب والتهديدات

ويرى الكاتبان أن تركيا في وضع جيد للاضطلاع بدور مفيد بأن تحل محل الولايات المتحدة. ووفقا لمصادر رفيعة المستوى في أنقرة، فإن الاتفاق التركي الأمريكي حول سوريا يتضمن تفاهًا بأن تركيا ستحاول تحجيم أجندة طهران التوسعية في المنطقة.

ويضيفان أن الاستراتيجية التركية القائمة على عدم المواجهة الدبلوماسية والتعاون والتجارة المفيدة يمكن أن تحقق المزيد.

ويتفق مع هذا الرأي السفير التركي السابق في العراق وإيران، سليم كارا عثمان أوغلو، الذي يقول: "إن المطالبة بتوسيع دور أنقرة من شأنه أن ينطوي على مخاطر أمنية وسياسية أكبر، وأن يثير مخاوف إضافية في المنطقة في مواجهة تركيا. ولمواجهة مثل هذا المناخ المناوئ، يجب على صناع القرار في تركيا أن يستغلوا القوة الناعمة لتركيا، بدءا من العراق".

ويوضح الكاتبان أن تركيا ينظر إليها على عكس الغرباء الإقليميين، على أنها محايدة وكبيرة بما يكفي لتكون ذات نفوذ يضمن لها عدم المواجهة. وعلى النقيض من العواصم المشبوهة التي تبحث عن التحالفات ذات المصلحة الذاتية، ليس لدى العراق ما يخشاه من تركيا، كما أن نفوذ أنقرة المهم في المنطقة الأوسع يمنحها دورًا تحسد عليه كوسيط نزيه.

ويضيفان أن تركيا تستطيع من خلال هذه الجهود الدبلوماسية أن تساعد في إعادة العراق إلى الأسرة الدولية. وخلال السنوات الأخيرة اضطلعت أنقرة بدورا أكبر في الوساطة، سواء في البلقان أو سوريا أو العراق أو مصر أو ليبيا أو القوقاز. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعب دور الوسيط في الأزمة الروسية-الأوكرانية.

أما بالنسبة لإيران، فقد تحسنت العلاقات الدبلوماسية مع تركيا على مدار العام الماضي. إن التعاون الوثيق في عملية أستانا وشراء تركيا للنفظ من إيران يعطي أنقرة نفوذاً مع طهران.وبدلاً من استراتيجية المواجهة الأمريكية الخطيرة ،فإن تركيا في وضع أفضل لتعزيز نفوذها من خلال الحوار والتجارة.

فرصة للتجارة المفيدة

ويضيف الكاتبان أن التجارة والاستثمار أيضًا مجالان تستطيع فيهما تركيا أن تتنافس وتتعاون. فهي تتمتع بوجود كبير في صناعة البناء في العراق وهناك طلب على الإنشاءات الجديدة في كل المدن التي دمرتها داعش. وقد أشارت أنقرة بالفعل إلى استعدادها للمساعدة في إعادة البناء، حيث كشف وزير الخارجية التركي عن حزمة ائتمانية بقيمة 5 مليارات دولار للشركات التركية العاملة في العراق.

ورأى الكاتبان أن سوق الدفاع يمثل مجالا آخر لتعزيز النفوذ التركي. فمع سحب الولايات المتحدة لقواتها ودعمها المالي الضخم، ستحتاج قوات الأمن العراقية التي ما تزال في طور النمو إلى مجموعة كاملة من معدات جمع المعلومات الاستخباراتية، والمركبات، وأنظمة الأسلحة، ومعدات الجنود الفردية، ومجموعة من المواد الأخرى التي يمكن للصناعات الدفاعية التركية أن تزود العراق بها بجودة متساوية وتكلفة أقل.

وفي الخدمات الدفاعية، يتمتع الجيش التركي بميزة الخبرة الكبيرة التي اكتسبها خلال سنوات من الحرب على الإرهاب داخل تركيا. وبما أن قوات الأمن العراقية - وخاصة قوات النخبة لمكافحة الإرهاب - ستحتاج إلى تدريب مستمر، فإن الخبراء العسكريين الأتراك قادرون على أن يحلوا محل المدربين الأمريكيين.

ويخلص الكاتبان إلى أن كثيرا من المحللين يؤكدون أن تركيا تقدم فرصة مثالية لاستبدال النفوذ الأمريكي المتدهور في العراق، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات مع إيران. إن موقع تركيا الجغرافي وثقلها الدبلوماسي وتجارتها المتنامية تسمح لها بتعزيز العلاقات مع بغداد. وتستطيع تركيا أن تزيد من نفوذها بما تتمتع به من ميزة فريدة وهي أخذ الاعتبارات الإقليمية في الحسبان.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!