حمزة تكين - أخبار تركيا

الذباب الإلكتروني، مصطلح حديث أصبح يدل على فئة من "البشر" لا تهتم إلا بنشر الشتائم والرذيلة واللعن والصور ومقاطع الفيديو المفبركة والمحرّفة، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالما عانى المحترمون من هذه الظاهرة التي بكل تأكيد لا تُعبر عن حقيقة الشعوب العربية، حقيقة معروفة للقاصي والداني أنها ناصعة البياض متزيّنة بالأخلاق الحميدة.

ظاهرة تُدار من قبل أجهزة مختلفة هدفها الوحيد بث روح الخنوع والفتن وكل ما يفرّق بين الشعوب والمجتمعات، بأساليب مقززة منحطة لم تعد مخفية على أصحاب المبادئ الطيبة والقلوب الصاحية والأخلاق الحسنة.

عادة ما يكون الذباب الإلكتروني منتشرا بقذارته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ما نحن بصدده اليوم هو حالة جديدة من هذا الذباب، إذ بنا ولأول مرة نشهد تجسّدا لهذا الذباب بصورة "بشريّة" وللأهداف الخبيثة نفسها المعمول لأجلها على شبكة الانترنت.

كلنا تابعنا الانتشار الواسع لمقطع فيديو يظهر فيه "شابان عربيان" يُعتقد أنهما في مدينة إسطنبول، يضرب أحدهما تمثال مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك والآخر يوّجه الشتائم له.

ويظهر المقطع أحد الشابين وهو يقف على تمثال أتاتورك وهو يصفع وجهه مع توجيه ألفاظ غير لائقة وشتائم متعددة، والآخر الذي كان يصوّر المقطع إنهال أيضا على أتاتورك بالإهانة وتوجيه الشتائم له بطريقة ساخرة.

المقطع أثار غضبًا واسعًا واستنكارًا كبيرا، إذ أن هذا التصرف يشكل انتهاكًا للقوانين التركية ويعاقب عليه القانون.

خياران لا ثالث لهما في ما يتعلق بالمقطع، إما أن يكون الشابان أحمقان لا يدركان أن أتاتورك يشكل رمزا في تركيا وللشعب التركي أو لجل الشعب التركي وأن القانون هنا يعاقب على مثل هذه الأفعال، وإما أن يكونا قد تعمدا هذا الفعل لأهداف خبيثة.

الباحث في المقطع وتداعياته الخطيرة يستطيع أن يقول أن الخيار الأول مستبعد، وبالتالي فإن الخيار الثاني هو الراجح وخاصة في مثل هذه الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة، واحتضان تركيا ملايين العرب الهاربين والمهجرين من بلادهم بسبب أنظمة ديكتاتورية قمعية تتحكم بأوطانهم بدعم غربي علني.

وكما يحاول الذباب الإلكتروني بث الفتن وأسباب الشقاق والتفرقة بين الشعوب، حاولت هاتان الذبابتان أن يكون فعلهما سببا لفتنة بين العرب والأتراك، وذلك من خلال التسبب بتأليب الشعب التركي على العرب المقيمين في تركيا، وتأجيج موقف بعض المعارضين العنصريين في تركيا وإعطائهم ورقة رابحة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
كما حاول هذا الذباب المتجسّد "بشريا" أن يزرع فتنة حتى بين العرب أنفسهم، فكل المعطيات المتوفرة حول هاتين الذبابتين تؤكد أنهما ليستا من مصر رغم اللهجة المصرية المستخدمة عن عمد في مقطع الفيديو، وفي هذا الأمر محاولة للإيقاع بين الشعوب العربية نفسها... سياسة خبيثة طالما عهدنا الذباب ومن خلفه انتهاجها خدمة لكل شر بين الشعوب.

مهما كانت جنسية هاتين الذبابتين فإنه من غير المقبول التهجم على أبناء شعب بأكمله، على أن يبقى الأمر محصورا فقط بمن اقترف هذا الفعل ومن غـّذاه من داعمي الذباب الإلكتروني.

قد تكون الجهة التي دفعت هاتين الذبابتين العنصريّتين لمثل هذا التصرف، جهة عربية منزعجة من المكانة الكبرى التي أصبحت تركيا تحظاها في قلوب مئات ملايين العرب، وبالتالي حاولت أن تألب العنصريين من أبناء الشعب التركي على نحو 5 ملايين عربي في تركيا حاليا، ثم يخرج الحاقدون على تركيا ليتهموها بـ"العنصرية ضد العرب" وتقع المشكلة.

وقد تكون الجهة التي دفعت هاتين الذبابتين العنصريّتين لمثل هذا الفعل، جهة تركية منزعجة من تواجد العرب ونجاح العرب في مختلف الأصعدة على الأراضي التركية، ومنزعجة من سياسات الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية التي تقرّب ولا تفرّق، وبالتالي حاولت أن تأخذ هذا المقطع ذريعة لتأليب العنصريين من أبناء الشعب التركي على الرئيس أردوغان وحكومته، وخاصة بعيد الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في 31 آذار/مارس الماضي وشهدت نجاحا للمرة الـ15 على التوالي لحزب العدالة والتنمية.

الرفض السريع من الجالية العربية في تركيا لهذا المقطع، قطع الطريق على كل من حاول استغلال هذا الفعل للإساءة للعرب في تركيا، وكشف العقلاء في تركيا لهذه اللعبة الجديدة الخبيثة قطع الطريق على من حاول من الخارج أن يلعب على وتر حساس لإشعال نار الفتنة.

ما حصل لن يكون محاولة أخيرة للإيقاع بين العرب والأتراك ـ كما فعلوا قبل نحو 100 عام ـ ولكن بالعقل والحكمة والاحترام المتبادل نقطع الطريق على أفعال الذباب سواء كان إلكترونيا أو "بشريا".

قانونيا يحق اليوم للسلطات التركية توقيف هاتين الذبابتين ومعاقبتهما على هذه الإساءة، وبالتالي كشف من يقف خلفهما لأهداف سوداء... وبكل تأكيد لن تسمح السلطات التركية باستغلال مثل هذه الأفعال المعروفة التوجه للإساءة أو الإضرار بالعرب المقمين في الجمهورية التركية، خاصة وأن جميع المسؤولين في تركيا يعلمون حجم الإنجازات الإيجابية والمساهمات الكبيرة التي يقدمها العرب لتركيا وشعبها، ولا ينكر هذا إلا جاحد متعصب.

لم أكن باحثا اليوم عن مصطفى كمال أتاتورك لا بالسلب ولا بالإيجاب، وليس هذا ما يهمنا في مثل هذه المرحلة، بل المهم وأد الفتنة في مهدها، ثم العمل والعمل والعمل على طريق التقدم والإنجازات والبناء والقوة دون أن نلتفت للوراء أو للذباب أو لأهل الفتن أو لأصحاب القلوب السوداء.

على من يقف خلف تلك الذبابتين أن زمن الجهل عند الشعوب قد ولى، وأتى زمن تُعرف فيه حقيقة الأمور بشكل أسرع بكثير، وبالتالي فإن محاولاتكم لنشر الرذيلة والفتن والتفرقة والتشرذم والخصام والعداوة لن تنجح على الإطلاق، فنحن اليوم في زمن جديد يتبدد فيه مفعول "البنج" الذي حُقن في جسد أمتنا قبل نحو 100 عام.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس