حمزة تكين - أخبار تركيا

لسنا اليوم في معرض المحاسبة مَن أخطأ ومن لم يخطئ، ولسنا في معرض إلقاء اللوم هنا أو هناك، فنحن أمام حدث جلل هز العالم الإسلامي إلى جانب الزلازل التي نعيشها بشكل يومي في أوطاننا المنكوبة المظلومة المحتلة.

حادث جليل في معنويته، لا يُنسينا الشهداء الذي يرتقون كل يوم على أيادي الظالمين الطغاة العملاء هنا وهناك... حادث أليم تمثل بعملية قتل أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ جمهورية مصر العربية هو الرئيس الشرعي محمد مرسي رحمه الله.

قد يسأل أحدهم لماذا جزمت أنها عملية قتل وليست مجرد وفاة طبيعية، والجواب أنه إن كان توفي فعلا نتيجة أزمة صحية فهذا الأمر حصل بعملية قتل بطيء قامت بها سلطات الانقلاب على مدى 6 سنوات، وإن كان توفي نتجية تدخل جهة ما فهي عملية قتل واضحة، وبالتالي فإن مرسي تعرض للقتل العمد، فارتقى شاهدا وشهيدا.

إلى جانب نيله شرف كونه أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر، وشرف نضال كبيرا من أجل بلاده والديمقراطية وحرية الشعب المصري... سيكون مرسي شاهدا يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ونفط ومليارات وسلطة، يوم لا تنفع أمريكا وترامب وأوباما وإسرائيل، يوم لا تنفع قوة وجاه وكِبر وعنجهية.

سيكون محمد مرسي شاهدا على الشعارات الكاذبة التي يرفعها العالم عن الحرية والإنسانية والديمقراطية والحضارة، كيف لا وهو الرئيس الذي تركه العالم المنافق لصالح دعم انقلاب عسكري موصوف.

سيكون محمد مرسي شاهدا على خيانة كثير من أصحاب السلطة في الشرق الأوسط، كيف لا وهو رئيس حُرب من هؤلاء فقط لرفضه التعامل مع المحتلين والساعين لاحتلال بلادنا.

سيكون محمد مرسي شاهدا على كذب المنظمات الإنسانية والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية، كيف لا وهو رئيس تخلى عنه الجميع إلا من بضع بيانات فارغة من هذه المنظمة أو تلك.

سيكون محمد مرسي شاهدا على "مسلمين" اختاروا طريق الخيانة والذل والعبودية لإسرائيل وأمريكا، فتآمروا عليه ودعموا الانقلاب عليه بملياراتهم وعنجهيتهم وكِبرهم.

لن تتوقف شهادة مرسي عند هذا الحد، فهو سيكون شاهدا أيضا على "علماء" باعوا عمائمهم للجزمة العسكرية الظالمة، فطبلوا للانقلابي وحللوا ما حرم الله وتغنوا بقتل الأبرياء وشجعوا الأحقاد بين المسلمين.

سيكون محمد مرسي شاهدا على نظام انقلابي يدمر وطنه بشكل ممنهج ويجوّع شعبه ويبيع أرضه... سيكون شاهدا عند الله يوم يأخذ كل ذي حق حقه ولا نفع يومها للجاه والسلطة والمليارات.

شهادة مرسي يومئذ تنال أهميتها برتبة صاحبها الذي نال أيضا صفة الشهيد، سياسيا وشرعيا، فهو شهيد ارتقى في عملية قتل أمام أعين العالم أجمع وأمام الكاذبين الذين صدعوا رؤوسنا بشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

شهيد قتل خلال دفاعه عن وطنه بوجه المحتلين الأقربين والأبعدين، وخلال نضاله من أجل تثبيت مفاهيم الإنسانية والعدالة والديمقراطية والشورى في وطن كان من الممكن أن يكون سيد الشرق الأوسط لولا تدخل الخونة والعملاء 
وانبطاحهم على أعتاب أعداء الأمة.

شهيد، كيف لا وهو قتل على يد فئة باغية بغت على الأمة كل الأمة، كيف لا وهو قتل بمرض أصيب به جراء تعمد تلك الفئة منعه من تلقي العلاج ولقاء الأطباء... شاهد وشهيد.

واليوم نتيقن أكثر وأكثر أن مرتكبي الظلم في مصر سيحاسبون على أفعالهم عاجلا أم آجلا في الدنيا والآخرة.

إن التاريخ سيذكر الشهيد مرسي على أنه شخصية استثنائية بمسيرة نضال مصر من أجل الديمقراطية، فاتّحد الكل عليه في الداخل والخارج وصمت الكل عما كان يعانيه من ظلم وإجرام في سجون الانقلابيين... حتى كثير من أقرانه صمتوا عنه ونسوا قضيته.

كما تخلوا كلهم عن شعوبنا الإسلامية وتركوها وحيدة تعاني من جور الطغاة والظالمين وأصحاب المليارات، تخلوا عن مرسي وما يمثله من حرية وديمقراطية وإنسانية... لقد قتلوه جميعا.

قتلوه لأنه ورغم كل القيود التي قُيّد بها من جلاديه المباشرين وغير المباشرين، لم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه، واستمر على هذا الثبات حتى سقط مغشيا عليه وهو يخاطب المحكمة الظالم قضاتها بنفس العزيمة والإصرار على مبادئه.

استشهد مرسي... فماذا بعد مرسي يا من كنتم تحبّون مرسي؟!

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس