علي الصاوي - خاص ترك برس

إن جميع البشر متساوون، وتأتي الفروق من مقدار تحصيل العلوم وفهمها وخدمة مجتمعهم بها، لذلك فإن إنسان العصر الحديث هو ابن العلم الذي يحقق التقدم الاقتصادي والعلمي والعسكري، وهذا ما يرفع من شأن الدول ويجعلها جديرة بأن يكون لها موضع قدم مؤثر فى حركة الحياة، فلم نر دولة تقدمت بالأهداف الكروية أوالميداليات الأولومبية عن غيرها من الأهداف السياسية والاقتصادية والثقافية، ومع أهمية الأنشطة فى حياة الإنسان إلا أن قائمة الأولويات لا بد أن يتقدمها الأهم من الأنشطة التى تؤثر عمليّا في حياة المواطنين وتساهم فى حل مشكلاتهم وترفع من مستوى معيشتهم، فهل كرة القدم لها دور في نهضة الدول وتحسين أحوال الناس، أم هى أداة تحويل تستثمرها الأنظمة الاستبدادية لخدمة مصالحها والهاء الشعوب؟

فى كتاب "العبودية الاختيارية" للكاتب الفرنسي "إتيان دولا بواسيه" تحدث فيه عن الأجيال التى نشأت في ظل أنظمة استبدادية وكيف ساهم ذلك فى تواؤمهم مع الفساد والذى نتج عنه ما يُعرف "بالمواطن المستقر" الذي يتحكم فيه ثلاث عوامل منها كرة القدم، فيقول: أما في كرة القدم فيجد "المواطن المستقر" تعويضًا له عن أشياء حُرم منها في حياته اليومية، إن كرة القدم تنسيه همومه وتحقق له العدالة التي فقدها، فخلال 90 دقيقة تخضع هذه اللعبة لقواعد واضحة عادلة تطبق على الجميع" فلماذا تهتم الأنظمة المستبدة بهذه اللعبة دون غيرها من الأنشطة المفيدة التي تساهم في بناء المجتمع؟

عندما استضافت إيطاليا كأس العالم عام 1934 قال الزعيم الفاشي "موسوليني": "لم أتصور أن ولاء الايطاليين لهذه اللعبة يفوق ولاءهم لإيطاليا وأحزابها الوطنية، سنفعل ما بوسعنا لاستضافة البطولة القادمة". وبالفعل استضافت إيطاليا البطولة التالية عام 1938.

وعام 1970 تألق منتخب البرازيل حيث اجتمعت فيه كوكبة من النجوم من بينهم، بيليه وريفالينو وتستاو، فحين فاز الفريق بالكأس بكى اللاعب "توستاو" حتى أُغمّي عليه، فظن الجميع أنها دموع الفرح؛ غير أنه اعترف لاحقا بأنها دموع الندم لأنهم بذلك الفوز ألهو الشعب البرازيلي عن قضياه المصيرية، وسمحوا للعسكر بتعزيز سلطتهم غير الشرعية بعد الانقلاب الذى حدث فى البلاد على الرئيسة "ايزابيل دي برون".  

وعندما استولى العسكر على الحكم في الأرجنتين بانقلاب عسكري، فعلوا المستحيل لضمان استضافة كأس العالم عام 1978 للتغطية على جرائمهم في حق الشعب وغض الطرف عن سلطتهم غير الشرعية، فدفعوا من الرشاوى ما وضع الفريق الأرجنتيني منذ البداية في مجموعة ضعيفة تبعدها عن مواجهة البرازيل لضمان الفوز بالكأس، وفي الأدوار النهائية بدا مؤكدا أن البرازيل ستتأهل للمباراة الختامية بعد تغلبها على بولندا بنتيجة (3/صفر) كون هذه النتيجة تعني أن على الأرجنتين التغلب على فريق بيرو القوي بفارق (أربعة لصفر) كي تتأهل للمباراة النهائية.

 وبالفعل تخاذل منتخب البيرو أمام الارجنتين وفازت عليه (6/صفر) فأقصت بذلك البرازيل وفازت بالكأس على حساب هولندا، ثم اتضح بعد ذلك أن البنك المركزي الأرجنتيني اشترى تلك المباراة من حكومة البيرو نظير شطب 500 مليون دولار كديون مستحقة عليها، بالإضافة إلى التهديدات التي وصلت إلى لاعبي منتخب الأرجنتين بالقتل في حال خسروا أمام هولندا.

وفي إحدى البطولات القارية طلبت حكومة السلفادور من حكومة الهندوراس السماح لها بالفوز بالبطولة، بغرض إلهاء الشعب عن المشاكل الداخلية بالبلاد، لكن حكومة هندوراس رفضت الطلب وفازت على السلفادور مما أدى لنشوب معركة حقيقية غزت فيها جيوش السلفادور هندوراس، كطريقة أخرى لإلهاء الشعب عن تلك المشاكل التي تعاني منها البلاد.  

وفي بطولة 1950 وصلت البرازيل والأروجواي الى المباراة النهائية وفي الليلة السابقة للمباراة حضر من الاروجواي مسؤول حكومي كبير طلب الانفراد باللاعبين وفي ذلك الاجتماع شكرهم على الجهد الذي بذلوه للوصول للمباراة النهائية، لكنه حذرهم من أن الفوز على البرازيل سيعرض علاقات البلدين للخطر ويضر بمصالح الأروجواي الاقتصادية! وبالرغم من هذا التحذير إلا أن اللاعبين انتفضوا لكرامتهم وفازوا على البرازيل في عقر دارها ووسط جماهيرها.

فإذا كانت كرة القدم لها دور كبير في نهضة الشعوب فلماذا لا نرى دول العالم المتقدم الذى صعد القمر واخترع التكنولوجيا وامتد نفوذه في الشرق والغرب لا يبالغ في الاهتمام بها مثلما تفعل الدول العربية، بل ينظرون إليها كنشاط محدود في الفاعلية والتأثير ولا يستحق أن يُنفق عليه ملايين الدولارات كما تفعل البلاد النامية التي تستنشق الجوع والفقر كل يوم؟ ولماذا لا نرى إسرائيل وهي لها اليد الطولى في كل شيء بالمنطقة سياسيا وعسكريا، لماذا لا تهتم بهذه اللعبة لا سيما إنها تمتلك كل الإمكانيات المتاحة لجعل منتخبها منافسا قويا في المسابقات الدولية؟ الإجابة بكل بساطة، لأنهم يعلمون أنه ليس باللعب وحده تتقدم الشعوب، وأن الدول التي تستمتع بقدر كبير من العدالة وينصرف جهدها لخدمة المواطن لا تحتاج لوسيلة تغطي بها على فشلها أو بطلان شرعية حكمها، فتلك الأدوات لا تجدها إلى في دول الانقلابات والشعوب المغيّبة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس