حمزة تكين - أخبار تركيا

كثير من المسلمين ليس لديهم علم أن التاريخ الإسلامي شهد معركة وصفها كثير من المؤرخين أنها "معركة غيرت مجرى التاريخ"، وكثير من المسلمين لا يعرفون أن هذه المعركة وقعت في مثل هذا اليوم قبل 948 عاما وانتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما مازالت الأمة حتى اليوم تعيش نفحاته الكبرى المباركة.

هو انتصار السلاجقة المسلمين على البيزنطيين في معركة ملاذكرد (حاليا هي منطقة داخل حدود ولاية موش شرقي تركيا)، يوم أن انتصر جيش المسلمين بقيادة السلطان المظفر ألب أرسلان وبقلة من الجنود على جيش بيزنطي جرار كان قد قطع آلاف الكيلومترات بهدف القضاء على الدولة السلجوقية واستكمال الزحف على بقية أراضي المسلمين.

إلا أن ما كان يتمتع به المسلمون يومها، من دين وأخلاق ووحدة ومحبة لبعضهم البعض وإعداد جيد وفق خطط واضحة لا شعارات رنانة.. كلها أمور ساهمت بتحقق النصر المبين، على عكس حال المسلمين اليوم الذين يطلبون النصر وهم لا يقدمون بين يديه أيا من النقاط الآنف ذكرها، إلا من رحم ربي.

أبرز نقطة أضاءت النصر يومها للعالم الإسلامي، الوحدة الإسلامي التي كانت متجسدة بين العباسيين والسلاجقة، فبأمر الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ارتفه هذا الدعاء للجيش المسلمين السلاجقة يوم المعركة:

“اللهم أعل راية الإسلام وناصره وادحض الشرك بجب غاربه وقطع أواصره وامدد المجاهدين في سبيلك الذين في طاعتك بنفوسهم سمحوا وبمبايعتك مهجتهم فازوا وربحوا بالعون الذي يطول به باعهم وتملأ بالظفر والأمن رباعهم وأجب السلطان ألب أرسلان برهان أمير المؤمنين بالنصر الذي تستنير به أعلامه يستيسر مرامه. وأوله من التأييد الضاحكة مباسمه القائمة أسواقه ومواسمه ما يقوي إعزاز دينك يده ويقضي له بأن يشفع بيومه من الكفار غده واجعل جنوده بملائكتك معضودة وعزائمه على اليمين والتوفيق معقودة”.

فهل يدعو المسلمون اليوم لبعضهم بمثل هذا الدعاء الصادق؟!.. هل يدعون لبعض هم البعض بمثل هذا الدعاء بالقلب والروح لا بالمجاملات وأمام الكاميرات!؟

على المسلمين الطالبين للنصر اليوم أن يقرأوا "ملاذكرد".. اقرأوا هذه المعركة وأسبابها وكيف انتصر المسلمون فيها، قبل أن تطلبوا النصر.

عندما يكون المسلمون اليوم يتمتعون بأخوة ووحدة، كتلك الأخوة والوحدة التي كانت تجمع السلطان السلجوقي والخليفة العباس، فحينها يمكنهم أن يتحدثوا عن النصر.. وإلا لا نصر ولا انتصار بل هزيمة تلو هزيمة، هذه هي سنة الله في هذه الأمة.

ورغم كل هذه الصورة السوداء التي يعاني منها المسلمون اليوم، متخلفين عن معاني "ملاذكرد".. إلا أن صورة مشرقة مازلنا نحتفظ بها من نفحات وبركات انتصار "ملاذكرد"، هي تركيا.

فتركيا ما كانت لتكون اليوم، لولا انتصار "ملاذكرد"، فذاك النصر فتح الأبواب أمام الأتراك المسلمين لدخول الأناضول وتأسيس الدولة العثمانية لاحقا، ثم تأسيس الجمهورية التركية اليوم.

وبالتالي ما تركيا إلا نتيجة من نتائج انتصار "ملاذكرد".. ونفس القواعد الإسلامي التي ذكرناها سابقا تنطبق على تركيا بطبيعة الحال.

في تركيا مازلنا نعيش بركات ذاك النصر العظيم، واليوم تركيا تعود شيئا فشيئا لمعاني ذاك النصر الكبير، فكما نادى السلاجقة بوحدة المسلمين، تنادي تركيا اليوم بهذا الأمر.

وكما حارب السلاجقة كل من حاول إدخال الدسائس على دين الله، تفعل تركيا الأمر نفسه اليوم، من خلال حربها على التنظيمات الإرهابية التي ترفع زورا شعار الإسلام والمسلمين.

وكما كان السلاجقة أقوياء بالعتاد والسلاح، تسعى تركيا اليوم لتكون من الأوائل في العالم بمجال تصنيع السلاح والتطور التكنولوجي، لتكون أكثر قوة وتأثيرا.

وكما كان السلاجقة دعاة محبة واحترام وأخوة بين المسلمين، تركيا تنادي اليوم بالمبادئ نفسها، فها هي اليوم لا تعادي المسلمين ولا تتصارع معهم، ولا ترغب بوقوع المشكلات بين الدول الإسلامية، بل تسعى لحلها رغم الأثمان الباهظة التي تدفعها أحيانا هنا أو هناك.

نعمل اليوم لحفظ هذه النفحة المباركة من نفحات "ملاذكرد".. بل لجعلها أقوى وأقوى كما كان يرغب المسلمون السلاجقة، وبالتأكيد كما يرغب المسلمون العرب والمسلمون من بقية العرقيات والقوميات، فمن منا لا يرغب بوحدة حقيقية تعيد للمسلمين عزا كانوا قد بنوه في "ملاذكرد"؟!

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس