ناصر ناصر - خاص ترك برس

من الواضح أن الذي زود صحيفة التلغراف البريطانية بنصوص ادّعت أنها اعترافات معتقلين فلسطينيين، وتفيد بأن زكريا نجيب وهو أحد قادة حماس في إسطنبول قد كلف مجموعة من القدس باغتيال شخصية إسرائيلية كرئيس بلدية القدس نير بركات أو عضو الكنيست يهودا غليك أو مفتش الشرطة روني الشيخ، من الواضح أن المصدر هو المخابرات الإسرائيلية، فالتسريب لوسائل إعلام صديقة هو تكتيك استخباراتي إسرائيلي ودولي معروف، ويخدم في هذه الحالة مصالح إسرائيل في توجيه ضربة مزدوجة تستهدف الأتراك أولا وثانيا ثم حماس والشعب الفلسطيني. فما هي هذه المصالح الإسرائيلية؟

تهدف إسرائيل من النشر المتأخر لهذا الخبر للضغط على القيادة التركية ومحاولة إحراجها أمام العالم وإظهارها كداعمة "للإرهاب" خاصة في مرحلة بدأ فيها التقارب التركي الحمساوي واضحا، وخاصة بعد لقاء رئيس المكتب السياسي لحماس السيد إسماعيل هنية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول قبل أيام.

فدولة الاحتلال لا تريد هذا التقارب بين تركيا وحماس، رغم علمها أنه لا يتجاوز الأبعاد السياسية والإعلامية والإنسانية العامة، وبأنه يأتي في سياق الدعم التركي التاريخي والمستمر للقضية الفلسطينية وفي إطار حسابات المصالح التركية المدعومة بتوجهاتها الثقافية والحضارية، ومنها توجيه رسائل متعددة من أهمها تقدير حماس على موقفها الاستثنائي لعملية نبع السلام والمخالف لمجمل المواقف العربية الرسمية، والمختلف جوهريا عن موقف السلطة الوطنية الفلسطينية التي تتعامل معها الحكومة التركية كبوابة الشرعية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من تعامل سياسي واقتصادي وغيره.

يشكل المس بالاقتصاد التركي أحد أهم أهداف خصوم تركيا وعلى رأسهم إسرائيل، وقد تزامن نشر خبر التلغراف البريطانية وبشكل مريب ومثير للعديد من التساؤلات حول مدى ارتباطه مع تقرير "أف أ تي أف" (فاينننشال أكشن تاسك فورس) والذي يحذر فيه تركيا من أنها مرشحة للدخول من جديد - بعد الخروج في العام 2014 – إلى القائمة السوداء للمنظمة التي تضم دول كإيران وكوريا الشمالية بسبب ما يزعم التقرير أنه تقاعس تركي في موضوع مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.

إن نشر تقرير التلغراف يعزز توجهات ال"أف أ تي أف" وما يعنيه ذلك من ضربة للقطاع المالي التركي ولقدرة البلد على جذب مستثمرين أجانب وهو الأمر الذي قامت من أجله تركيا باتخاذ العديد من الإجراءات والتسهيلات، وخصوصا في مجال نقل الأموال لتحقيقه، ومن الممكن أن تكون بعض المنظمات الإرهابية قد استغلت هذه التسهيلات الاقتصادية لتركيا.

يشار إلى أن الاقتصاد التركي بدأ بالتعافي من حالة الركود والنمو السلبي، حيث سجل الربع الأخير من السنة الحالية نموا بلغ 1% فقط، مما يعني أن نسبة النمو في سنة 2019 ستصل الى نحو 0.5%، وهدف الحكومة للسنة القادمة هو 5%، بناء على ما سبق فيمكن القول إن تقرير التلغراف وتحديدا من حيث التوقيت ليس تقريرا صحفيا بريئا وموضوعيا، بل موجها لخدمة أهداف إسرائيل في المنطقة، ومن ذلك توجيه ضربة لصورة تركيا في العالم وعرضها كدولة داعمة للإرهاب مع كل تداعيات ذلك الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك فمن المتوقع أن ينجح الأتراك في مواجهة (هذه العملية الإرهابية الاقتصادية) أو هذه العملية الإرهابية ضد الوعي التي لا تقل خطورة عن بقية أنواع العمليات الإرهابية التي واجهتها تركيا بنجاح واقتدار في السنوات الأخيرة.

عن الكاتب

ناصر ناصر

أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، طالب دكتوراه علوم سياسية وله قناة تلغرام تنشر ترجمات يومية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس