د. علي حسين باكير - العرب القطرية

في 2 يناير الحالي، صادق البرلمان التركي على مذكرة رئاسية تفوّض الحكومة بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، وبالرغم من أنّها تمنح السلطات التركية تفويضاً مفتوحاً في هذا الخصوص لمدة عام واحد قابل للتجديد، كما هو الحال في المذكرات السابقة الخاصة بالعراق وسوريا «تمّ دمجها لاحقاً» فإنها لا تحدّد نوع وحجم الدعم البري والجوي والبحري الذي من المنتظر أن تقدّمه أنقرة إلى حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في طرابلس.

وتتوقع الحكومة الليبية في طرابلس، أن يؤدي الانتشار العسكري التركي في ليبيا إلى تأمين الساحل، سيما بعد معلومات عن حصول قوات حفتر على قطع بحرية بأموال إماراتية، وتأمين غطاء جوي وهو العنصر الأكثر حيوية واستعجالاً، في ظل التفوق الجوي المطلق للقوى المناوئة للحكومة المعترف بها دولياً، وتسريع عملية تدريب عدد كبير من المقاتلين الليبيين.

ليس ثمة من يريد لتركيا أن تقاتل بالنيابة عن الليبيين، لا في أنقرة ولا في طرابلس، وهذا يعني أن مهمة الجانب التركي ستتركز بشكل كبير على الدعم من الخلف، بشكل يسمح للمقاتلين الليبيين بالاندفاع إلى الأمام، قد تفرض هذه الوضعية تواجداً لعدد من الخبراء الأتراك، ومعدات عسكرية ودفاعية، وأنظمة رادار وإنذار مبكّر ودفاع جوي وطائرات مسيّرة أو مقاتلات، بالإضافة إلى مدافع ومدرعات وأسلحة وعتاد مختلف ومتطوّر وقطع بحرية، هذا النوع من الدعم قد يتطلب بدوره انتشاراً محدوداً لعدد من القوات الخاصة، وتلك المسؤولة عن المعدات التي سيتم نشرها، أو عن تدريب القوات الليبية.

إذا كانت الأعداد مقبولة من الناحية الموضوعية، فلن تواجه أنقرة صعوبات كبيرة، لكن في ظل تسليم حاملة الطائرات الخفيفة «TCG Anadolu» نهاية العام وغياب القدرة على تنفيذ ضربات جوية في ليبيا انطلاقاً من الأراضي التركية، وعدم وجود قواعد مهيأة ومحصنة في ليبيا لاستقبال مقاتلات تركية على وجه السرعة، فقد تجد أنقرة صعوبات في نشر قوة جوية ضاربة لها، علاوة على ذلك، فإن الالتزام بأعداد ضخمة من المقاتلين الأتراك -إذا كان مثل هذا سيحدث- سيكون أمراً صعباً للغاية.

بخلاف الانتشار العسكري التركي في كل من سوريا والعراق، فإن ليبيا ليست دولة مجاورة لتركيا، ولا تمتلك حدوداً مشتركة معها تخوّلها نقل أصولها العسكرية، أو ممارسة نفوذها على الأرض بشكل سلس، فضلاً عن ذلك، لا تتمتع ليبيا بالاستقرار أو التماسك الذي تتمتع به قطر، وهو الأمر الذي أتاح نقل قوات عسكرية تركية على وجه السرعة إلى الدوحة إبان الأزمة الخليجية عام 2017، وتوطيد نشرها من خلال قاعدة عسكرية مقيمة، أمر آخر قد يشكّل تحدياً بالنسبة للانتشار العسكري التركي في طرابلس، وهو جوار ليبيا الإقليمي، وتواجد نفوذ على الأرض من خلال حفتر لكل من مصر وفرنسا وروسيا، وهي دول غريمة لتركيا.

على مستوى السيناريوهات، السيناريو المفضّل لتركيا هو تحقيق التوزان العسكري على الأرض بشكل يؤدي إلى إقناع حفتر وداعميه باستحالة الحسم العسكري، وبالتالي دفعهم عنوة إلى المسار السياسي الذي تهرّبوا منه سابقاً، لكن بضمانات التواجد العسكري التركي هذه المرة، استمرار القتال دون جدوى من شأنه أن يؤدي إلى استنزاف الأطراف المتصارعة، ووضع القوات التركية في مخاطر الفوضى المتزايدة للمسرح الليبي، دون الحصول على النتيجة المرجوة، لذلك، فإن التحرك الثقيل والسريع مطلوب، للحيلولة دون وقوع السيناريو الأسوأ.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس