د. علي حسين باكير - العرب القطرية

في 24 يناير الماضي، قالت الخارجية التركية إن تركيا مستعدة لإعادة إحياء كل قنوات الحوار مع اليونان. وذكر المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أكسوي أنه وكما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد اقترح سابقاً على رئيس الوزراء اليوناني خلال لقاءات في نيويورك ولندن، فإن أنقرة مستعدة لإحياء قنوات الحوار مع اليونان وفتح قنوات جديدة أيضاً تتعلق بشرق المتوسط.

ويُعتبر المقترح التركي بنّاءً للغاية، في ظل الظروف الحالية، حيث تعمد اليونان إلى اتخاذ المزيد من الخطوات الاستفزازية غير المسؤولة، كان آخرها تسليح ١٦ من أصل ٢٣ جزيرة يونانية في بحر إيجة، يُمنع عليها بموجب الاتفاقات الدولية تسليحها. لم تلتقط أثينا هذه الإشارة حتى الآن على ما يبدو، إلا أن مساعيها للتصعيد ستصطدم على ما يبدو في نهاية المطاف بمحدودية قدراتها الذاتية في مواجهة تركيا.

ومنذ أن وقّعت الحكومة التركية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما شرق المتوسط، والجانب اليوناني يتخبّط في مواقف غير سويّة من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بمصالحه بشكل غير قابل للإصلاح. اليونان طردت السفير الليبي من أراضيها بعد هذا الاتفاق، وأعلنت عن دعمها العلني لحفتر الذي يقود تمرّداً مسلّحاً على الحكومة الشرعية، بهدف السيطرة على طرابلس والأراضي الليبية كاملة.

اليونان التي تعتبر بمثابة الطفل المدلّل للاتحاد الأوروبي، هدّدت الأخير بتعطيل أي اتّفاق يتم التوصّل إليه في ليبيا إذا لم يتم إلغاء مذكرة التفاهم التركية - الليبية البحرية. أثينا اتبعت هذا التهديد بتهديد آخر يشمل إرسال مقاتلين إذا تطلّب الأمر لدعم حفتر، وحثّته على مواصلة القتال من أجل الإطاحة بالحكومة الليبية. في وقت سابق من هذا الشهر، زار رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكس الولايات المتّحدة والتقى الرئيس ترمب طالباً منه الدعم في مواجهة تركيا.

ميتسوتاكس، قال في البيت الأبيض إنه «إذا تمّ تحدي سيادتنا، فإنّنا سنرد عسكرياً»، فما كان من ترمب، إلا أن رد عليه قائلاً: «ماذا إذا خسرتم أمام تركيا؟»، فقال «لن نخسر». في هذا الحوار، ترمب قال بشكل مبطّن إنّه لن يدعم اليونان في أي معركة مع تركيا، والأهم أنّ رئيس الوزراء اليوناني اعترف بمحدودية قدرات بلاده عندما لم يشر إلى وجود إمكانية للربح.

حتى الآن، انتهت محاولات عزل اليونان لتركيا في شرق البحر المتوسط بخسارة بيّنة لأثنيا مع الاتفاق التركي - الليبي. هذا الاتفاق يقلّل أيضاً من فرص نجاح اليونان في التوصل إلى اتفاق بحري مع مصر، لأنّه سيكون من مصلحة القاهرة عقده مع تركيا بدلاً عنها، بسبب حصولها على مساحة بحرية أكبر، إلاّ إذا قررت القاهرة التنازل مقابل ضمان دولي بالحصول على دعم لشرعية نظامها السياسي.

من أوراق الضغط التركية المتوافرة الآن كذلك، إرسال سفينة التنقيب «ياووز» إلى جنوب قبرص للتنقيب على النفط والغاز. هذه هي المّرة الأولى التي يذهب الجانب التركي إلى هذا البعد، ومن الواضح أنّه بذلك يريد أن يقول إمّا أن نتفاهم من خلال التفاوض، وإمّا أنّني سأمضي في استثمار حقوقي، كما تفعل قبرص، والدفاع عنها بالقوّة إذا لزم الأمر. دعوة الخارجية التركية الجانب اليوناني للتفاوض هو مؤشّر على ما يفضّله الجانب التركي، فهل ستتّخذ اليونان النهج نفسه؟

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس