محمود عثمان - الأناضول

لم تكن هجرة التجار ورجال الأعمال السوريين القسرية إلى تركيا، الأولى في تاريخ سورية الحديث، فقد سبقتها هجرات عديدة إلى دول الجوار لبنان والأردن ودول الخليج، حيث شكلت حالات الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي، والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجتها حكومات الانقلابات العسكرية، وفي مقدمتها قوانين التأميم والاصلاح الزراعي أبرز دوافعها.

لكن هجرة السوريين الأخيرة التي بدأت عام 2011 كانت الأشد وطأة وقسوة، حيث طال النزوح القسري ما يزيد عن نصف سكان سورية، أربعة ملايين منهم قصدوا تركيا.

تسجل صفحات التاريخ مدينة دمشق، كأقدم عاصمة سياسية واقتصادية ما زالت مأهولة بالسكان حتى يومنا هذا، وتقول المصادر التاريخية أن ولاية حلب، كانت تحتل المرتبة الثانية بعد اسطنبول في دفع الضرائب لخزينة الدولة العثمانية.

بعد تحول الحراك الشعبي السوري إلى "صدام عسكري مسلح"، وتدفق النازحين إلى تركيا، كانت رؤوس الأموال قد سبقت رجال الأعمال السوريين نزوحا للخارج، حيث نالت تركيا حصة الأسد من ذلك النزوح، إذ قصدها القسم الأكبر من التجار والصناعيين ورجال الأعمال، نظرا لطبيعة الاقتصاد التركي الليبرالي المنفتح والمتاح للجميع.

** حجم مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي

تشير الدراسات التي أجرتها عدد من غرف التجارة والصناعة التركية، إلى أن عدد الشركات التي أسسها السوريون في تركيا خلال تسع سنوات، تجاوزت عشرة آلاف شركة، تتوزع نشاطاتها على قطاعات اقتصادية مختلفة.

وقد كشفت مؤسسة البحوث الاقتصادية في تركيا (TEPAV) في تقرير لها، عن أنّ السوريين في تركيا قد أسسوا أكثر من 10 آلاف شركة حتى مطلع أيلول/سبتمبر 2018، 60% من هذه الشركات سوريّة خالصة، بينما 40% منها شراكة بين سوريين وجنسيات أخرى.

وبحسب التقرير ذاته، فإنّ هذه الشركات قد وفرت فرص العمل لقرابة 44 ألف سوري في تركيا، وبهذا الرقم تكون الشركات السورية قد وفرت فرص عمل لـ7% من إجمالي عدد السوريين في تركيا والبالغ 3 ملايين ونصف المليون، على أساس اعتبار العائلة الواحدة تبلغ 6 أفراد يتم تشغيل فرد واحد منها، وبهذا يكون تشغيل 44 ألف فرد بمثابة سدّ حاجة قرابة 250 ألف سوري، أي 7% من السوريين في تركيا.

وأشارت مؤسسة البحوث الاقتصادية في تركيا (TEPAV)، في تقرير مطوّل أعدّته حول السوريين في تركيا، حيث أجرى باحثوها مقابلات مع رجال الأعمال السوريين، أن 72% منهم لا يفكرون بالعودة إلى سورية، حتى بعد انتهاء الحرب، وذلك بسبب نجاح أعمالهم وتوسع عمل شركاتهم في تركيا.

وبحسب دراسة قدمتها "مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية" مقرها أنقرة، فإن 22% من الشركات السورية موجودة في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي المحاذية للحدود السورية. وتشير الدراسة نفسها، إلى أن 59.4% من الشركات السورية في تركيا ناجحة، وتمارس نشاطها التجاري كمثيلاتها التركية، وأن 55.4 من الشركات السورية تركز في مبيعاتها على الأسواق الخارجية، حيث تقوم هذه الشركات بتصدير منتجاتها للأسواق الخارجية.

عدد غير قليل من الشركات السورية في تركيا، كانت تملك أسواق خارجية للتصدير قبل مجيئها لتركيا، وعندما بدأت العمل والانتاج في تركيا، فعلت العلاقة مع تلك الأسواق، واستمرت في تزويدها بالبضائع من تركيا.

وتقدر مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي بما يزيد على نصف مليار دولار، بالإضافة لفرص العمل التي يؤمنونها للعمال الأتراك والسوريين على حد سواء.

** الفرص المتاحة لعالم الأعمال في تركيا

واجه رجال الأعمال السوريون أياما قاسية بسبب ظروف الهجرة والنزوح والشتات. لكنهم لم يستسلموا للصعوبات ولم يتراجعوا أمام التحديات، بل ناضلوا بقوة وحزم وشجاعة، فنجحوا في تحويل محنتهم إلى منحة، والمنحة إلى فرصة.

ولعل أكبر عامل في نجاح رجال الأعمال السوريين، هو ما وفرته تركيا من شروط مناسبة وفرص عمل واستثمار. إذ يوصلك مطار خلال ساعتين، إلى ستين دولة في أوربا وآسيا وأفريقيا.

تركيا باقتصادها العملاق الفعال النشط، القائم على التنافس الكبير والتحدي، وفرت فرصة تاريخية لرجال الأعمال ليظهروا إبداعاتهم وعبقريتهم المكبوتة خلال الحقبة الماضية.

** التعاون الاستراتيجي بين جمعيات الأعمال السورية ونظيراتها التركية

باستضافة جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين الأتراك "موصياد" (MUSİAD)، وشراكة مع منتدى الأعمال الدولي (İBF)، نظمت جمعية الأعمال السورية الدولية (Siba Turk) "اللقاء الأول لرجال الأعمال السوريين في تركيا".. حضر اللقاء ما يزيد على 600 رجل وسيدة أعمال سوريين، الذي تخللته مأدبة عشاء أقيمت بهذه المناسبة.

في كلمته أشار رئيس الجمعية محمود عثمان، إلى أن رجال الأعمال السوريين في تركيا، لم يستسلموا لظروف الهجرة والشتات التي نتج عنها الكثير من الصعوبات والتحديات. بل ناضلوا بقوة وعزيمة وشجاعة، ونجحوا في تحويل المحنة إلى منحة، والمنحة إلى فرصة، من خلال تجربة فريدة قل نظيرها.

كما أشار عثمان إلى الفرص المتاحة أمام رجال الأعمال السوريين، على المستوى المحلي والدولي، واشترط لذلك ضرورة التعاون وتضافر الجهود، والعمل الجماعي المؤسساتي من خلال الانخراط في الهيئات والمنظمات التي تجمع رجال الأعمال تحت سقف واحد.

وحدد رسالة جمعية سيبا (Siba Turk) بأنها تسعى إلى تمكين رجال الأعمال السوريين من المساهمة الفعالة في النهوض بالاقتصاد التركي، من خلال جذب وتشجيع الاستثمارات والتنمية البشرية، وتقديم المشروعات والحلول التنموية، وأن تكون المؤسسة الرائدة، في التشبيك بين رجال الأعمال السوريين وزملائهم الأتراك، من أجل الانطلاق سوية بمشاريع مشتركة في المحيط الاقليمي والدولي.

وشدد على ضرورة التعاون مع الجهات الرسمية التركية، والمشاركة في صناعة القرارات والتشريعات الاقتصادية، التي تتعلق بتنظيم أعمال السوريين في تركيا.

وقد حضر اللقاء السيد أرول يرار الرئيس المؤسس لجمعية موصياد ورئيس منتدى الأعمال الدولي، ونائبه السيد غزوان المصري، وعدد من رؤساء الشركات، وشخصيات اقتصادية رفيعة من رجال الأعمال والتجار والصناعيين السوريين المقيمين في تركيا، بالإضافة لأعضاء جمعية (سيبا تورك) وأصدقائها، وسط اهتمام كبير من وسائل الإعلام بالحدث.

يشار إلى أن جمعيّة الأعمال السوريّة الدوليّة (سيبا تورك)، منظمة مستقلّة غير ربحيّة وغير سياسيّة، تأسّست في 13/7/2018. تجمع بين أصحاب المال والأعمال السوريين، والمهتمين بالشأن الاقتصاديّ السوريّ من أفراد وهيئات، بهدف تعزيز التعاون بينهم وتحقيق مصالحهم.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس