د. مصطفى الستيتي - خاص ترك برس

يبدأ التّعليم الدّيني في تونس منذ الصّف الثالث ابتدائي بواقع ساعتين في الأسبوع، ويتضمّن حصصًا في تعليم القرآن الكريم، وتسمّى هذه المادة "التربية الإسلاميّة". أما في المستوى الثانوي فيُطلق على هذا الدّرس اسم "التفكير الإسلامي". وإلى جانب هذا توجد دروس قليلة للقرآن الكريم في بعض الجوامع. وفي المستوى الابتدائي والثّانوي لا يوجد تعليم ديني في مدارس مستقلة مثلما هو الشأن عندنا في تركيا.  وبالنّسبة إلى المستوى الجامعي، فتوجد ثلاث كليات دينيّة تابعة لجامعة الزيتونة. وهذه الكليات هي: "كلية الشريعة"، و"كلية أصول الدّين"، و"كلية الحضارة الإسلاميّة". في الواقع لا يوجد كبير فرق بين هذه الكليات من حيث البرامج، ولكل كلّية إدارتها الخاصة بها. وأصول جامعة الزّيتونة  ضاربةٌ في القدم، وقد تأسست في زمن قديمٍ جدًّا، وقد بدأت أول أمرها في جامع الزيتونة المخصّص في الوقت الحاضر للعبادة.

كان جامع الزّيتونة يحتضن جميع مراحل التّعليم، ويلبي الحاجة للعلوم الدّينية، وقد بدأ التّعليم فيه أساسًا بالعلوم الدّينية. وأما اليوم فإن جامعة الزيتونة أصبحت جامعة مستقلةً تتبع لها ثلاث كليات في العلوم الإسلاميّة، والطّلاب يدخلون هذه الكليات حسب نتائجهم في امتحانات الثانوية العامة (البكالُوريا). وبوسع المتخرجين من هذه الكليات الحصول على وظائف مثل التّعليم في المدارس أو موظفين في الجَوامع. بيد أنّه وبسبب قلة الوظائف فإنه من الصّعوبة حصول المتخرّجين على وظيفة. وهذا بدوره يحول دون توافد طلاب على درجة عالية من الكفاءة.

وتستمر الدّراسة في كليات الشّريعة أربع سنوات، وبوسع الطّلاب الذين يُكملون دراستهم مواصلة بحوثهم في مستوى الماجستير والدّكتوراه بشرط الحصول على الدّرجات التي تؤهلهم لذلك.  ويختلف البرنامج في جامعة الزيتونة عما هو عندنا من حيث أنّه يحتوي على مسألتين مهتمين الأولى تحت عنوان "قضايا الفكر الإسلامي المعاصر" والثانية تحت عنوان "الاستشراق". ولا توجد في هذه الكليات عناية بتحسين جودة قراءة القرآن الكريم.

ويوجد عدد كبير من الطّلاب الأجانب، ومن بينهم طلابٌ أفارقة يزاولون دراساتهم في مستوى اللّيسانس والدّراسات العليا في كلّيات الشّريعة التّابعة لجامعة الزّيتونة وكذلك في الجامعات التّونسية الأخرى. وفي العام الدراسي 1994-1995 كان عدد من يدرسون من الأتراك في هذه الجامعة أربعة طلاب. وأود أن أسلّط الضوء على بعض نقاط الاختلاف بين الجامعات التّونسية وجامعاتنا في تركيا؛ إذ لا توجد في الجامعات التّونسية خطة أستاذ مساعد أو موظّف باحث، ويحصل طلبة الماجستير والدّكتوراه على منحة قدرها 140 دينارًا.، وبوسع هؤلاء الطّلاب أن يُقيموا في المساكن الجامعيّة.

والموظف العادي في تونس يحصل على راتبٍ قدره نحو 200 دينار. وراتب المعلم في مستوى التّعليم الابتدائي والمتوسط ما بين 300 و 400 دينار. أما أساتذة الجامعات فراتبهم في حدود 1000 دينار شهريًّا. ولا توجد في الكليات بالجامعات التّونسية غرف خاصّة بكلّ أستاذ مثلما هو الشّأن عندنا في تركيا. وتوجد غرفة واحدة يجتمع فيها أعضاء هيئة التّدريس، وفي كلّيات أخرى توجد غرفة لكلّ قسم من الأقسام. والمدرّسون يغادرون الكلّية بعد أن يفرغوا من تقديم محاضراتهم.

ومن الأمور المختلفة التي تلفت الانتباه في الجامعات التّونسية طبيعة الأسئلة التي تطرح على الطلاب في  الامتحانات الفصلية والامتحانات النّهائية، فالطالب يُمتحن في سؤالين أو ثلاثة أسئلة لا تعتمد على الحفظ بل على التّفكير والتّحليل. وهذه الطريقة في التّعليم، وإن كانت تحرّر إمكانيات الطّالب وتخلّصه من مشقّة الحفظ فهي تخضع في التّقييم إلى جانب ذاتيّ لدى الأستاذ المدرّس.  وأود أن أختم هذا القسم بالإشارة إلى أن الحجاب بالنّسبة إلى الطالبات ممنوع في الجامعات التّونسية.

الحياة الاجتماعية والثّقافية

يسعى الشعب التّونسي في حياته الاجتماعيّة إلى العيش على الطّريقة الغربيّة، وهو يتقدم على هذا الطريق. وقد بدأ هذا التوجه مع الحبيب بورقيبة على إثر جلاء فرنسا ونيل تونس لاستقلالها. وأبرز مؤشّر على هذا التحوّل الحرّية الكاملة التي مُنحت للنّساء في البلاد. ويدور الحديث عن هذا الموضوع بين نساء تونس بالفخر والاعتزاز لدى البعض وبالشّكوى والتذمّر لدى نساء أخريات. وينشأ الشاب ضمن العائلة على تربية أسرية محافظة حتى سن الثّامنة عشرة، ثم بعد ذلك ينطلق حرًّا يفعل ما يريد. وبوسعنا القول إن العلاقات هنا بين النّساء والرّجال أكثر تحررًا مما هو الشّأن عندنا. ومعدّل سن الزّواج في تونس في حدود 30 عامًا، ونسبة الطلاق عاليةٌ جدا، ويظهر أن العوامل الاقتصاديّة هي السّبب الرئيس في ذلك.

والتونسيون، وهم يسيرون في طريق التحضّر والمعاصرة لم يتخلّوا تمامًا عن لباسهم التّقليدي مثلما فعلنا نحن، فالرّجال يلبسون الطواقم واللّباس الرّسمي في الدوائر الحكوميّة بينما يلبسون لباسهم التّقليدي بعد الفراغ من أعمالهم. وبالنسبة إلى النّساء فهن يلبسن إمّا اللباس التقليدي المتمثل في "السّفساري" والذي يشبه الملحفة ويغطي كامل أجزاء الجسم، أو يلبسن اللّباس الغربي الحديث الذي يكشف عن الرأس. وفي تونس من الصّعب أن ترى عددًا كبيرًا من النّساء المحجّبات كما هو الأمر عندنا في تركيا.

ومن الأخبار السّارة في تونس أنّ المشروبات الكحولية والمخدرات ليست منتشرة على نطاق واسع. ووسيلة الترفيه الأساسية بالنسبة إلى الشاب هي كرة القَدم، وكما هو الشأن في جميع دول العالم الثّالث فكرة القدم هنا تحظى بشعبية كبيرة جدًّا. وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ الدّولة تولي اهتماما واضحا للرّياضة والمرافق الرياضيّة، وكمثال على ذلك، فحتى في الأماكن الناّئية يمكن أن تصادفك أحواضٌ مخصصة للسّباحة.

وإذا جئنا للحديث عن الحياة الثقافيّة، فيمكن تلخيصها بكلمة واحدة وهي أن ثمة حركية ثقافيّة بارزة للعيان. فدور السّينما، ونوادي الأفلام والفيديوهات، ومراكز الشّباب منتشرة في كلّ مكان، وتعمل بنشاطٍ حثيث. والشأن نفسه بالنّسبة إلى المؤتمرات والمحاضرات، والاجتماعات، وحفلات الموسيقى والليالي الشّعرية...

والمتاحف في تونس كثيرة  ومنتظمة. ويتم كل عام تنظيم معرض دوليّ للكتاب بالإضافة إلى معارض أخرى محلية كثيرة في مجالات مختلفة.  وما نلاحظه كذلك أن المكتبات تقدم خدمات راقية لروادها، وتفتح المكتبات أبوابها كلّ يوم بما  في ذلك يوم الأحد، وهي تشهد إقبالاً جيدًا من قبل القراء. والدولة حريصة على توفير أسباب الرّاحة لروادها.

وفي المجال الثقافي، أودّ أخيرًا أن أؤكد أن التّونسيين يحبّون الموسيقى، وبوجه خاص الموسيقى الخفيفة التي تبعث على السّعادة والفرح. وتلاميذ المدراس يتلقون تعليما موسيقيا جيدًا منذ الصّفوف الأولى من المستوى الابتدائي. ووفق ما يصرحون به هم أنفسهم فإنّهم يشعرون بالارتياح أكثر مع الموسيقى التّركية أكثر مما هو الشأن مع الموسيقى الغربيّة. ولا يوجد ميل كبير إلى الموسيقى الغربية باستثناء بعض الفئات من الشّباب. وإلى جانب الموسيقى نلحظ كذلك اهتمامًا بالرسم والتزيين، وغير ذلك من الفنون اليدويّة الأخرى.

عن الكاتب

د. مصطفى الستيتي

باحث متخصص في التاريخ العثماني.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس