حمزة تكين - شبكة آرام الإعلامية

انتهى قبل قليل في العاصمة الروسية موسكو لقاء القمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حول إدلب السورية، وخرج الطرفان بوثيقة اتفاق مكتوبة، بعد نحو 6 ساعات من النقاش.

طبعا 6 ساعات من النقاش بين الطرفين أي أن هناك نقاطا خلافية كثيرة بينهما، ولكن تجمعهما نقطة مشتركة قوية وهي أن تركيا لا تريد التصادم مع روسيا، ولا الأخيرة تريد التصادم مع تركيا.

6 ساعات من المباحثات ليس لأجل أن يخرج الجانبان بقرار ينص على تسيير دوريات مشتركة حول طريق "أم 4" وحسب!

يمكن القول أن الهدف من اللقاء حتى قبل حصوله، هو أن يحفظ الجانبان مصالحهما المشتركة العديدة والكثيرة، يحفظانها من أي ضرر بسبب ما يحصل وما سيحصل في إدلب، وخاصة وأن الأمور بينهما كانت في تصاعد، لو أدى لأي صدام فإن المنطقة ستكون أمام كارثة أكبر من الكارثة الحالية، فتركيا دولة كبرى وكذلك روسيا دولة كبرى.

نجح أردوغان وبوتين بتحييد بلديهما عما يحصل في إدلب من توتر، أي أن هذا التوتر مهما تصاعد لن يضر بعلاقات موسكو وأنقرة، فلا تركيا تريد خسارة علاقاتها مع روسيا وكذلك العكس صحيح.

ما حصل اليوم في موسكو أكد على مكانة تركيا القوية على الأرض وعلى الطاولة وفي الجو أيضا، فلولا التدخل العسكري التركي في إدلب لأكمل النظام اجتياحه المحافظة، اعترفت روسيا اليوم على لسان بوتين بقوة الجيش التركي، وكذلك بشرعية التواجد العسكري التركي في إدلب.

ما حصل اليوم في موسكو أكد على مكانة تركيا القوية في السياسية أيضا إذ ظهر للعالم أنها قادرة على المواجهة عسكريا ودبلوماسيا.. وحيدة دون مساعد ومناصر بل في ظل العداء الكبير والوقح من بعض أنظمة العالم العربي الذي أعلنت علنا دعمها للنظام السوري بحربه ضد المدنيين في إدلب، وبالتالي السياسة التركية قائمة على الحكمة بالتحرك عسكريا ودبلوماسيا خاصة وهي ملاحقة من وحوش المنطقة التي تدعي العروبة والإسلام، فضلا عن تربص بعض الدول الغربية بها.

ليست غبية تركيا لترمي نفسها بحروب تستنزفها، ولكن تركيا ذكية لمرحلة أنها تدرك متى تشغل المدفع ومتى توقفه، ومتى تعقد المباحثات السياسية ومتى توقفها.

نجحت تركيا اليوم في موسكو بانتزاع اعتراف روسي وعلني ورسمي أن للجيش التركي الحق بالرد على أي هجوم يتعرض له في إدلب، وهذا الاعتراف لم يكن قبل القمة، أي أن روسيا سحبت ورقة هامة من يد النظام السوري، وأصبح التفوق للجيش التركي والحق معه.

في موسكو أصرت تركيا على فكرة عودة اللاجئين إلى قراهم، وهنا العقدة المخفية.. كيف سيعود هؤلاء إلى قراهم في ظل تواجد النظام السوري فيها؟! وبالتالي هذه إشارة واضحة لرضوخ روسيا لمطلب تركيا بضرورة انسحاب النظام السوري من تلك القرى كي يعود أهلها إليها.

في موسكو أعادت تركيا وبالقوة فرض نقاط المراقبة الخاصة بها في إدلب وأنها لن تسحبها، وبالتالي إشارة على إصرار تركيا أن غايتها هي حدود سوتشي وليس اتفاقا جديدا على حدود جديدة.

ومن النقاط الأساسية التي بحثت في موسكو، انسحاب النظام السوري من المناطق التي تقدم إليها في إدلب، لم يذكر ذلك علنا ولم يتم التطرق إليه أمام الإعلام، ولكن النقاط السابقة تعطي لتركيا الحق بإعادة تنشيط تحركها العسكري بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري، عند أول خرق لوقف إطلاق النار يقوم به النظام السوري.. ومتى التزم النظام بمعاهدات ووثائق واتفاقيات؟!

أي أن "درع الربيع" ستفعل عسكريا لتحقيق أهدافها المعلنة والمعروفة.

في موسكو اليوم حافظت تركيا على مصالحها مع روسيا، وحافظت روسيا على مصالحها مع تركيا، وأخذت تركيا من روسيا ما تريده، الحق بالعمل العسكري ضد النظام السوري دون قيام روسيا بدعمه في إدلب.

في موسكو حفظ أردوغان على ماء وجه بوتين أمام العالم، وكذلك حفظ بوتين ماء وجه أردوغان أمام العالم، فانتصر الرجلان وخسر النظام.

كيف خسر؟

من باع النظام السوري خلال الأسبوع الماضي وتركه تحت رحمة نيران تركيا ونيران الجيش الوطني السوري، سيبيعه أيضا أسبوعا آخرا وأسبوعين و3 وبشكل نهائي، وهذا ما حصل خلال "درع الربيع".

لو كانت روسيا صادقة أنها تدافع عن النظام السوري في إدلب وأنها لن تسمح لتركيا بمهاجمته، لما جعلته يسجل أكبر خسارة عسكرية في تاريخه خلال أسبوع واحد، تحت وطأة عملية "درع الربيع".

في موسكو اليوم، قالت روسيا لتركيا: لك ما تريدين في إدلب ولكن بعد هدنة مؤقتة، شرط أن نحافظ كلانا على مصالحنا المشتركة مهما حصل في إدلب، ومهما كنتِ قاسية على النظام السوري، وبالتالي ربح أردوغان (معه تركيا والشعب السوري) وبوتين (معه روسيا فقط)، وخسر النظام السوري.

أي استئناف للتحرك التركي في إدلب سيكون شرعيا باعتراف روسيا وفق اتفاق اليوم، وبالتالي فعلا حققت تركيا تقدما كبيرا في "درع الربيع" المستمرة والتي لم يعلن أردوغان انتهاءها (الهدنة مختلفة عن إنتهاء العملية العسكرية)، أي فعلا ربح أردوغان (معه تركيا والشعب السوري) وبوتين (معه روسيا فقط)، وخسر النظام السوري.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس