محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

في أعقاب لقائه مع زعماء ألمانيا وإنكلترا وفرنسا تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تقنية فيديو كونفرانس عن موضوع تفعيل آليات التعاون والعلاقات الدبلوماسية بشكل كبير مع الدول من أجل إيجاد حلول لمشاكل تركيا على الصعيدين الإقليمي والعالمي بأسرع وقت وبكل عزيمة في هذه الرحلة العصيبة.

وأغلب الظن لم يكن كلامه موجها لدول الاتحاد الأوربي وخصوصا مع الدول التي حضرت اللقاء التلفزيوني، ألمانيا فرنسا وإنكلترا، التي غادرت الاتحاد الأوربي على مضض، وإنما كان موجها لترتيب علاقات بلده مع دول أخرى وخصوصا بعد المستجدات غير الطبيعية في الأحداث الإقليمية والدولية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

فاقتصاديا تخوض الدول النفطية بكارتلها (الأوبك) أكبر تحد لها من قبل روسيا، الدولة المنتجة للنفط وغير المنتظمة مع منظمة الأوبك النفطية وبالأخص مع السعودية، حيث تم طرح كميات كبيرة لا تتحملها الأسواق من النفط الخام، والذي أدى إلى خفض سعر النفط بشكل غير مسبوق، مؤثرا بصورة كبيرة على اقتصاديات الدول المنتجة لدرجة العجز الحقيقي في تلبية متطلبات الدولة النقدية والمالية.

أما اجتماعيا وأيضا صحيا فعلى ما يبدو أن وباء كورونا سيكون عاملا جديدا لا يقل تاثيرا عن عوامل الاستقطاب العالمي كالاستقطابات السابقة والاصطفافات التي أفرزت الدول الرأسمالية والاشتراكية والفرانكفونونية ودول الكومنولث والدول العربية وغيرها.

وسياسيا سيتم تنصيب العولمة بمراسيم حقيقية وسيتم تقليد التاج وتسليم الصولجان لساكن البيت الأبيض أو ساكن قصر آخر في دولة أخرى بتوكيل رسمي من كل دول العالم القديمة والمستحدثة أو التكتلات الحديثة، قد نتصور الأمر مبالغا فيه أو ضربا من الخيال لنتائج وباء كورونا الجميل اسما والبشع أفعالا.

ولكن عندما نسمع أن دولا مثل إيطاليا، والتي تمتلك سابع أقوى اقتصاد بالعالم، تعيش واقعا صحيا ممتازا وتقدم لمواطنيها خدمات صحية اجتماعية تفوق الخيال تنهار اليوم  كل مؤسساتها الصحية وتعترف بعجز المنظومة المؤسساتية الصحية والتي هي جزء رئيس من منظومة الدولة، يصبح من الضروري التصديق بحجم هذه الكارثة والتي إذا أضيفت لها الأعداد الحقيقية لضحايا الفيروس.

ولا نعتبر ذلك خيالا لو علمنا الأعداد الحقيقية لضحايا الفيروس الوبائي في بعض الدول التي تخفي على الدوام كل ما يجري على أرضها مثل الصين، حيث تصل التكهنات إلى وجود أعداد مخيفة وهائلة لضحايا كورونا الفجائية في مدينة ووهان وغيرها من المدن الصينية لا يبقى مجال للخيال أو المبالغة بهذا الوباء.

في أمريكا الأمر مختلف فأرقام نتائج الخسارات المعلنة تفوق الخيال فقبل مرور الشهر الأول من وصول الضيف الثقيل لأمريكا، تحدثت الدوائر المالية عن خسارة تقدر بثلاثة عشر ترليون دولار بينما كان الوباء في بدايته ويحصد العشرات فقط.

بالطبع تركيا لديها همومها ومشاكلها القديمة وبعض المشاكل المستحدثة مثلما لها اهتمامات ومصالح سياسية ذات تبعات اقتصادية لا تستطيع التغاضي عنها ولا يمكن تركها وإهمالها فهي من أولويات اهتماماتها.

من هذه المشكلات القديمة والمستحدثة هي علاقاتها مع إيران وخصوصا فيما يخص تدخلات الأخيرة غير المبررة في دول الشرق الأوسط العربية وحتى الدول العربية الأفريقية، والتي كانت على الدوام تحاول زرع الفوضى وعدم الاستقرار وتحاول منع أي فرصة لباقي الدول باستثمار ثرواتها في تلك الدول، وخصوصا بعد فرض الحصار الاقتصادي الأول عليها جراء مفاعلاتها النووية، وكذلك بعد الحصار الثاني في عهد الرئيس ترامب، وتركيا من ناحيتها ورغم وجود علاقات متطورة معها إلا أنها ترى أن محاولة إيران إثارة الفوضى غير المبررة في المنطقة لا تخدم دول المنطقة بل بالعكس هي تخلق منافذ جديدة للمزيد من التدخلات الدولية بشؤون المنطقة سواء كان ذلك عن دراية أو عن جهل واستخفاف بالنتائج المترتبة عليها.

ومن هنا فإن تصريح الرئيس أردوغان بعد لقائه الكونفرانسي (مكالمة فيديو) مع قادة دول أوربا يعني أن أوربا قد حزمت أمرها واصطفت مع الولايات المتحدة والخليج وعلى رأسها السعودية لإنهاء الدور الإيراني عبر الإطاحة بالنظام القائم كما حدث في عام 1979.

هذامن ناحية ومن ناحية أخرى فإن دول أوربا تنظر بعين الشك لمستقبل أسعار النفط رغم استفادة الدول المستوردة لها جراء انهيار الأسعار، وترى بأن روسيا التي تمكنت من إيصال سعر برميل النفط لأدنى مستوى له منذ عقود، وفي ظل التضخم الكبير في أسعار البضائع والخدمات، قادرة على لعب دور معاكس وإيصال سعر النفط لأعلى مستوى له عالميا، بحيث تدع كل تلك الدول تترنح من الديون الخارجية والداخية بل وتجعل عجلة وماكينة المصانع متوقفة حتما.

ولغرض تفويت الفرصة على روسيا وحتى على الصين المتحالفة مع روسيا ضمنا فإن استحداث تكتل واسع ومتنوع وكبير قد أصبح حتميا وضروريا، وربما قد اتخذ قرار بذلك من قبل أمريكا والدول الأوربية والسعودية وإسرائيل أيضا بالإضافة لإشراك تركيا بها.

إذن فالرئيس التركي بتصريحه عقب المباحثات الفيديوية مع قادة أوربا يقصد العلاقات التركية مع السعودية، والتي تخوض حربا اقتصادية حقيقية قد تؤثر بشكل واسع على أمنها الاقتصادي، ولكن بماذا تتمكن الدول الأوربية وأمريكا من إدامة التواصل مع تركيا ضد الصديق اللاصدوق الروسي.

هل سيكون بالوقوف الأوربي معها في مشكلة إدلب أم بتزويدها ببعض الأسلحة أو إرسال ما يمكن أن يمثل انتصارا للأتراك في مسألة إدلب، حيث ترى تركيا بأن دول العالم قد خذلت الشعب السوري المقاوم والباحث عن الاستقرار والسلام في تلك المسألة.

ومن غير الممكن معرفة ما هي آليات التعاون الجديدة لدول أوربا مع تركيا والوسائل لمؤازرة تركيا في مسألة أمنها الاستراتيجي وأمنها الحدودي ومسألة إدلب والوقوف إلى جانبها ضد مكر موسكو وبوتين وألاعيبه.

كل الذي نستطيع التاكيد له أن أوربا، وهذه المرة بزعامة بريطانيا التي أضحت القريبة إلى قلب أمريكا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي، قد حزمت أمرها وانساقت إلى الإذعان إلى الحل الأمريكي بالموافقة على إنهاء الزعامة الدينية التقليدية في إيران، التي تعتبر حليفًا غير رسمي  لروسيا وربما للصين أيضا، كما أسلفنا.

السؤال: بماذا تقنع أوربا تركيا بقبول هذه الاستراتيجية، وهي تدرك أن سقوط النظام في إيران عبارة عن حريق لا يعرف مدى تاثيره وقوة لهيبه؟

وماهو المطلوب من تركيا عدا القبول بالأمر الواقع المحتوم؟

أي بمعنى الوقوف أمام الروس المماطلين لكل الاتفاقيات في المسألة السورية، وبنفس الوقت القبول بالصيغة الأمريكية، وربما هذا الكلام لم يقصده الرئيس أردوغان رغم واقعيته، والذي قصده هو تفعيل الآليات الدبلوماسية مع الدول الأخرى.

هناك ثلاث دول مرشحة وتهم أوربا وتركيا معا، وعلى الأغلب أن إحداها تتزعم محاربة النظام الإيراني، وترى أن استقرار المنطقة لا يكتمل طالما النظام الإيراني قائم، وأقصد السعودية تحديدا، وربما هناك مساعي حقيقية لعودة العلاقات إلى سباق عهدها قبل خلق مشكلة قطر وحادثة القنصلية السعودية في إسطنبول.

وحقيقة فإن دخول العلاقات التركية السعودية مرحلة متطورة وحميمية يعني طرد الإيرانيين والروس من المنطقة بدون عصا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس