محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

قد نفهم بأن إيران وفي ظل التهديدات الأمريكية الأخيرة لها في منطقة الخليج ستحاول الهروب إلى الأمام تارة والابتعاد عن بعض قواعدها الاستراتيجية تارة أخرى لعدم إثارة الكثير من الحساسيات في الجانب الأمريكي في الأحوال الاعتيادية.

ولكن في ظل وجود صعوبات قاهرة تصل لحد العجز عن مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية فإن الأمور تختلف جذريا حيث تتخلى مرغمة عن مجمل ما خططت له من استراتيجيات في السابق وتعوض عنها بالاحتفاظ بورقة التهديد بالتدخل أو إرسال بعض الرسائل عبر وكلائها في المنطقة كوسيلة لحفظ ماء وجهها أمام الرأي العام الدولي.

إيران التي تعاني حقيقة من أوضاع قد تسمى بنظر المراقبين مراحل ما قبل الهاوية لأنها لا تستطيع مطلقا أن تتجاوز مرحلة التدني الحقيقي لأسعار النفط وإن كانت قد قامت بعمليات استعراضية دعائية في الآونة الأخيرة.

ولسنا بصدد إفهام الدول الإقليمية بحقيقة الأوضاع في إيران فالكل يدرك تماما أوضاعها الأمنية والاقتصادية والسياسية والداخلية وهم بانتظار ما ستؤول له الأوضاع في القريب العاجل.

في العراق هناك تحركات حقيقية من قبل الأطراف المتنفذة والمسيطرة على الوضع ومن أهمها الاحتفاظ ببعض الفصائل التابعة للحشد الشعبي كمؤازرين للطرف الحاكم في القوات المسلحة بزج تلك الفصائل في الجيش العراقي وهي التابعة لرجل الدين علي السيستاني وكما نعلم تسمى الفصائل الموالية للنهج العراقي الأصلي.

وأيضا لسنا بصدد الحديث عن الوضع الداخلي العراقي إلا بقدر ما يهمنا من مستقبله بعد انحسار جائحة الكرونا وسحب إيران يدها من الوضع العراقي بصورة تامة ونهائية أو بصورة مؤقتة إن استطاعت إلى ذلك سبيلا في المستقبل وانهيار أسعار برميل النفط المصدر.

الوضع العراقي بصورة عامة قابل لكافة الاحتمالات ومن الممكن التكهن بأنه أيضا على وشك أن يشهد انهيارا حقيقيا بعد تلكؤ تشكيل الحكومة أو استحالة تشكيلها في ظل التحارب على المناصب الوزارية بعد إغلاق سوق المزايدات لشراء الحقائب الوزارية من أصحاب نفس الكتلة.

الذي استجد الآن وفي ظل هذه الظروف الصعبة هو ورود أنباء عن مصادمات جرت بين قوات الجيش وخلايا داعش الإرهابية في عدد من المناطق العراقية، والتي توحي أيضا بمساعيهم لاستغلال ضعف الأداء الحكومي المؤسساتي أمنيا وعسكريا، وخصوصا في ظل تردي الوضع السياسي نتيجة الاحتراب على كسب المزيد من الامتيازات.

وفي ظل هذه الأوضاع وتصاعد نشاط داعش علينا أن نفهم أن الكثير من المعالجات المحلية والإقليمية والدولية التي عهدت إليها القضاء على داعش بعد عام 2014 لم تعد قادرة على الالتزام بتلك التعهدات للأسباب المبينة الآتية وهي:

أولا: إيران التي كانت في الظاهر هي التي ساندت القوات العراقية والحشد الشعبي من قبل مستشاريها العسكريين بالإضافة إلى تجهيز قوات الحشد الشعبي بكافة أنواع الأسلحة والأعتدة وإكمال جاهزيتها عند بداية تشكيلها وزجها في معارك قتال ضد داعش. أما الآن فإن إيران لم يكن بمقدورها القيام بذات الدور والانغماس في حرب داعش كما فعلت بسبب العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى وكذلك لعدم وجود تهديد حقيقي مباشر على الأمن القومي الإيراني.

ثانيا: دول أوربا لم تعد الآن قادرة على مواجهة مخاطر جديدة تظهر في المنطقة وتهدد أمنها بوجود إرهابيين، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى زيادة عدد اللاجئيين إليها من ناحية أخرى.

ثالثا: الفصائل التي اعتمدت عليها أوربا لمحاربة داعش وخصوصا في حدود العراق الشمالية والغربية وبتخوم الأراضي السورية من قوات ال"ي ب ك" لم تعد تمتلك القدرة الآن على التحرك ولم تعد تمتلك فرصة القتال مرة أخرى بعد سلسلة من أخطائها القاتلة بعد اعتماد أوربا عليها.

رابعا: وبالعودة إلى الفصائل الشيعية المدعومة من إيران فقد تولدت لها مشاكل واهتمامات أخرى تخص غنائمها وانتشارها الريعي في المناطق الشيعية نفسها ومن المستحيل أن تستطيع مؤازرة مناطق سنية في حال ظهور داعش من جديد في تلك المناطق.

والسؤال هنا: هل سلتجأ أوروبا إلى حليفتها العتيدة في حلف الناتو تركيا لتحتمي بها من تداعيات أي خلل أمني في المنطقة تتفادى فيه تجربة داعش الماضية وما تسببت فيه من لجوء إنساني كبير وعمليات إرهابية يمكن أن تشكل ضغطا إضافيا على الدول الأوربية يضاف لتداعيات أزمة كورونا وتأثيرها.

وهل ستحاول الولايات المتحدة الاستعاضة بحلف الناتو عن إرسال قطعات جديدة للمنطقة؟ وتعتمد على حليف رصين كتركيا؟ أم أنها ستحاول تكرار تجربتها الفاشلة مع الـ"ي ب ك" ودعم فصائل مسلحة خارج إطار دولهم؟

والتساؤل الأكبر: كيف ستتعامل تركيا مع حاجة حلف الناتو لها؟ وهل تنظر إلى الاضطرابات المحتملة في المنطقة على أنها تهديد محتمل لأمنها القومي؟ أم أنها ترى حدودها معزولة عما يحدث في العراق؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس