د. علي حسين باكير - العرب القطرية

تقدّمت شركة العال الإسرائيلية للطيران، مؤخراً، بطلب لاستئناف رحلاتها الجوية المنتظمة إلى تركيا. وبالفعل هبطت أولى طائرات «العال» الأسبوع الماضي في اسطنبول، وذلك لأوّل مرّة منذ 10 سنوات. أعاد هذا الحدث المفاجئ تسليط الضوء سريعاً على العلاقات الإسرائيلية - التركية، وعلى نجاح الطرفين في تسجيل اختراق قد يكون بمثابة مقدّمة لاستئناف بطيء لكن مهم للعلاقات بين الطرفين.

وكانت العلاقات الإسرائيلية - التركية قد تدهورت بشكل كبير في مايو من عام 2010، بعد أن قامت تل أبيب بقتل 10 مواطنين أتراك خلال عملية قرصنة قام بها الجنود الإسرائيليون لسفينة «مافي مرمرة» أثناء إبحارها في المياه الدولية بالبحر المتوسط في طريقها إلى غزة. وبالرغم من أنّ إسرائيل اضطرت، في نهاية المطاف، إلى الخضوع لمطالب تركيا بالاعتذار عمّا جرى ودفع تعويضات لأسر الضحايا من المدنيين الأتراك والسماح بإرسال مساعدات تركية إلى القطاع، فإنّ اتفاقية تطبيع العلاقات التي تمّ التوصل إليها في أغسطس 2016 لم تسرِ على ما يُرام، وبقيت العلاقات باردة بين الطرفين في أفضل الأحوال.

وتأتي الخطوة الإسرائيلية الجديدة في إطار الاهتمام المتزايد بتطبيع العلاقة مع أنقرة على ضوء عدد من التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية، لا سيّما في سوريا والعراق وشرق البحر المتوسط؛ ففي فبراير الماضي، أرسلت إسرائيل تعزية رسمية إلى تركيا بسقوط 34 جندياً في قصف قيل إنّ نظام الأسد قد نفّذه. ومن المفارقة أنّ المبادرة الإسرائيلية هذه جاءت في وقت كانت فيه بعض الدول العربية -لا سيّما الخليجية- تشنّ حملة إعلامية ورسمية ضد أنقرة على وقع عملية «درع الربيع» التي استهدفت نظام الأسد والميليشيات الموالية له في إدلب في مارس الماضي.

على أنّ الحدث الأبرز ربما الذي جذب انتباه إسرائيل هو استهداف أنقرة مجموعات تابعة لإيران في إدلب في مارس الماضي، ممّا استحضر تقاطعاً للمصالح بين الطرفين في سوريا والعراق. تدرك إسرائيل أن لا مصلحة لتركيا بتزايد نفوذ إيران في سوريا والعراق؛ ولذلك فهي تحاول أن تستكشف مدى إمكانية الاستفادة من تقاطع المصالح هذا في تحجيم إيران، بعد أن لاقت جهود بعض الدول العربية- الخليجية فشلاً ذريعاً في هذا الصدد.

الملف الثاني الذي لا يقلّ أهمّية عن سابقه هو التطوّرات المتسارعة شرق البحر المتوسط.. إسرائيل جزء من محور يضمّ قبرص واليونان ومصر وفرنسا، ويهدف إلى عزل تركيا ومنعها من استثمار حقوقها في تلك المنطقة، وتريد تل أبيب استغلال هذا التجمّع أيضاً لتأمين نقل ثرواتها من الغاز المكتشف إلى أوروبا عبر أنبوب يمرّ تحت مياه البحر المتوسط عبر قبرص واليونان لتفادي تركيا، وقد كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك لولا الاتفاقية التركية - الليبية نهاية العام الماضي. هذه الاتفاقية غيّرت المعطيات بشكل جذري في شرق المتوسط، وأصبح من غير الممكن بناء هذا الأنبوب دون موافقة تركية. إسرائيل بحاجة إلى استمالة تركيا لتستطيع تصدير غازها مستقبلاً إلى أوروبا.

الملف الأخير له علاقة بمحاولة تحييد تركيا عن القضية الفلسطينية؛ فبعد التنازلات غير المسبوقة لبعض الدول العربية، تنظر تل أبيب إلى أنقرة بصفتها العقبة الإقليمية الأبرز أمام «صفقة القرن» وضمّ غور الأردن، خاصّة إذا قرّرت أنقرة أن تقف موقفاً مشابهاً لذلك الذي وقفته إبّان الأزمة الخليجية عام 2017؛ حيث من الممكن أن تتحوّل تركيا إلى نقطة جذب لمعارضي إسرائيل في المنطقة، ليس على المستوى السياسي فحسب وإنما على المستوى الشعبي أيضاً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس