برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

تحولت الأنظار إلى لبنان بعد الانفجار المروع يوم الثلاثاء في بيروت. ووفق وزير الصحة اللبناني، توفي ما لا يقل عن 154 شخصًا في الحادث وجرح أكثر من 5000 آخرين. ويقدر عدد الذين أصبحوا بلا مأوى ما بين 200000 و300000 مواطن. عانى لبنان الذي اندلعت فيه الاحتجاجات في تشرين الأول/ أكتوبر بسبب الصعوبات الاقتصادية، خسارة مالية تراوحت بين 10 مليارات دولار و15 مليار دولار من الانفجار.

ومع أنه لم تستبعد فرضية عمل تخريبي تماما، فإن قصة إهمال لبنان بخزين 2750 طنًا من نترات الأمونيوم تكشف صراحة عن الكثير من أوجه القصور في النظام السياسي في البلاد. إذا نظرنا إلى الوراء، فإن كارثة الأسبوع الماضي، التي أطلق عليها اسم تشيرنوبيل لبنان، حدثت تحت أنوف الجميع. وبحسب ما ورد احتفظت السلطات بكمية غير عادية من المتفجرات في حظائر الطائرات، متجاهلة الخطر الواضح بحدوث انفجار. ولزيادة الطين بلة، أبقت الحكومة اللبنانية المواد في قلب بيروت على الرغم من التحذيرات المتكررة من مسؤولي الجمارك.

آثار انفجار الأسبوع الماضي سيكون لها أثر عميق في الساحة السياسية اللبنانية. لا شك في أن اللبنانيين، الذين اهتزوا بالفعل بسبب جائحة كوفيد 19 والتحديات الاقتصادية للبلاد، سيلقون اللوم في مشكلاتهم على النخبة الحاكمة في البلاد. يبقى لغز ما إذا كانت حكومة التكنوقراط الحالية في لبنان ستحتفظ بوظائفها أم لا. لكن المشكلة الحقيقية أخطر بكثير:  لا تستطيع الدولة اللبنانية التي أعيد هيكلتها بعد ثلاثة عقود من العنف العمل بشكل صحيح. تشترط قوانين البلاد أن يتولى مسيحي رئاسة الجمهورية ومسلم الشيعي رئاسة البرلمان ومسلم سني رئاسة الوزراء.

لطالما ابتليت هذه البنية غير المستقرة بالأزمات. أثار اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005 موجات من الصدمة عبر البلاد، وانسحب الجنود السوريون من لبنان بعد ذلك بوقت قصير. في السنوات الأخيرة، عانت البلاد أزمة مالية حادة ومخاوف بشأن الأمن الغذائي، لتثير مسألة ما إذا كانت هذه الظروف يمكن أن تؤدي إلى موجة من التطرف.

ومع أن لبنان نجا من الربيع العربي بسهولة أكبر من الدول الأخرى، فإن سكانه يتعاملون مع مشكلات ناشئة عن جيرانه. إن القضية الفلسطينية، والعدوان الإسرائيلي، وامتداد الحرب الأهلية السورية، قد أبقت الكثير من الضغط على لبنان. ومع اندلاع معركة بين إيران والسعودية على النفوذ الإقليمي واندلاع العنف بين حزب الله وإسرائيل، انهار النظام السياسي الهش في البلاد تدريجيا. ما تزال ذكريات الاحتلال الإسرائيلي في عام 2006 والاستقالة القسرية لرئيس الوزراء سعد الحريري خلال رحلته إلى المملكة العربية السعودية عام 2017 حية. في مواجهة الاستقطاب الطائفي والتدخل الخارجي، لا يستطيع لبنان الترويج لهذا النوع من الوحدة السياسية التي هو في أمَسّ الحاجة إليها لتحمل عبء سياسي ثقيل في الداخل والخارج.

السيناريو الأفضل هو أن يلهم الانفجار الأخير موجة سياسية جديدة، تضع مصالح البلاد في المقام الأول وتتجنب صراعات السلطة المحلية. السيناريو الأكثر ترجيحًا (وللأسف أسوأ) سيشمل قوى أجنبية تحرض على العنف بين اللبنانيين. من المحتمل جدا أن تُطرح أسئلة حول "دولة داخل الدولة" لحزب الله وتأثير أنشطته الإقليمية، بتوجيه من إيران، على لبنان نفسه. إن امتداد الصراع على السلطة بين إسرائيل ودول الخليج وإيران سوف يستمر على الأراضي اللبنانية. هرع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القوة الاستعمارية السابقة، إلى بيروت بعد الانفجار. ولكن ذلك لا يكشف إلا إلى حرصه على أن يكون جزءًا من التوازن في لبنان.

يطرح انفجار الأسبوع الماضي بعض التوقعات حول مستقبل الشرق الأوسط. يستمر الدمار الذي يعود إلى دور دول الخليج  في سحق الربيع العربي. هناك عدد أكبر من الدول الفاشلة، والمزيد من الميليشيات، والمزيد من المنظمات الإرهابية، والمزيد من العمليات الاستخباراتية، والمزيد من الفساد والمزيد من الأنظمة البعيدة عن التواصل في المنطقة اليوم أكثر مما كانت عليه في الماضي. من اليمن إلى ليبيا، بدأت القصة نفسها. "محور المقاومة" الإيراني وسياسة التوسع والضم الإسرائيلية وخوف الإمارات العربية المتحدة والسعودية من الديمقراطية تقوض الاستقرار الإقليمي. الدول الفاشلة والحرب الأهلية تزدهر حيثما تلتقي تلك العوامل المزعزعة للاستقرار.

غذى الغزو الأمريكي عملية "العرقنة". أدى التنافس بين إيران والخليج إلى "اليمننة". أدى التوسع الإيراني بدوره إلى "السورنة". النسخة الإسرائيلية كانت أسوأ: "فلسطنة". وأخيراً، تطالب فرنسا وروسيا والإمارات ومصر المتحمسة لتقسيم ليبيا، ببنيات جديدة منظمة على أسس طائفية وقبلية وعرقية، أي "اللبننة".

إن الدمار الذي سيترتب على لبننة الشرق الأوسط تجسد في انفجار بيروت. والدولة الوحيدة التي ترفض هذه العملية ومحاولات تحقيق الاستقرار في المنطقة هي تركيا التي يسعى دعاة الفوضى في المنطقة إلى ترهيبها بتهمة العثمانية الجديدة.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس