نعيمة صادقي - خاص ترك برس

قبل خمس سنوات لم نكن نسمع بتركيا كطرف فاعل في المتوسط أو في الصراع الدولي الدائر للإستحواذ على عناصر القوة خاصة فيما يتعلق بقضية الطاقة .

إن  موضوع التسابق في المتوسط بين القوى الإقليمية و الدولية مسألة ميزت تطور العلاقات بين الدول ، أما  بالنسبة لتركيا فهي سيطرة الدولة العثمانية لفترة زمنية دامت أربعة قرون (1453-1923) على أطراف البحر المتوسط ، كما منعت روسيا القيصرية من الوصول للمياه الدافئة . 

تركيا اليوم تستفيد من الظرف الدولي – و الذي يُميَزه إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالسباق الرئاسي و تفجر العنف العنصري الداخلي-  لتُشهر طموحها التاريخي بأن تُصبح قوة بدون وصاية وفقا لما تضمنته  خطابات  القيادة السياسية من تصعيد للَهجة و نبرة التلويح بإستخدام القوة العسكرية إذا إستدعى الأمر .

و يمكننا أن نفسر ما يحدث اليوم في مياه المتوسط من مناورات و تسابق نحو التسلح بمفهوم المعضلة الأمنية The security dilemma و التي ترتبط بمسلمة القوة the power وفق التصور  الواقعي و هي تعني" أن قيام دولة ما بالتعبئة العسكرية يوقع الدول في المعضلة الأمنية حيث تُضاعف الدول الأخرى من عملية التسليح و تحشد قواتها تحسبا لحالة حرب تدب في الأفق"  

فهل السلوك التركي اليوم يهدف لاستعادة أمجاد التاريخ  و عودة المارد العثماني أم أنه تصعيد أملته مقتضيات اللحظة الراهنة بقصد كسب المزيد من المحصلات في السلة التركية  و توسيع الخيارات التركية في عدة قضايا في المتوسط ؟

في تقدير القيادة السياسية التركية أن  القوة فقط وحدها هي التي تواجه القوة  ، لان الكل هو ضد تركيا ، و هي تتمسك بمجال حيوي يدخل من دائرتها الجيوبوليتيكية ، و لن يعترف الجميع بالحق التركي إلا بالقوة ، بالنتيجة ترتكز تركيا على القانون الدولي  ففي سنة 2004 أنصفت الأمم المتحدة تركيا باستغلال الجرف القاري في قبرص  .   

الظروف الدولية المصاحبة لتصاعد القوة التركية :

  • اشتداد النزاع التركي اليوناني في جزيرة قبرص، و انحياز الاتحاد الأوروبي ، روسيا ، الولايات المتحدة لصالح الموقف اليوناني ضد  تركيا
  • عملية  نبع السلام  و توسيع النفوذ التركي في الشرق الأوسط
  • المناورات المشتركة بين اليونان- فرنسا- ايطاليا- قبرص في المتوسط  و التي تعكس التكتل الأوروبي في مواجهة  تركيا .  
  • إكتشاف حقل غاز في البحر الأسود : اسم البئر تونا-1 ، الحجم : 320 مليار متر مكعب ، سفينة التنقيب : فاتح .
  • التمدد التركي في ليبيا و إرسال فرقاطة تحمل اسم RIM-66E-5  إلى المياه الإقليمية الليبية .
  • السفينة الحربية الأمريكية المتواجدة في جزيرة كريت و التي إن كانت تعني أن أوروبا مازالت تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز أمنها و سياساتها الخارجية فهي تعني كذلك خلاف أو تنافر أمريكي تركي حول مناطق نفوذ تركيا. 

الهدف :

  • الإستحواذ على مزيد من القوة الطاقوية في العالم  و بالتالي سوف يؤثر الموقف التركي مستقبلا على سوق الطاقة من  أسعار و طرق و  إمدادات ، كما ستكون تركيا مرتاحة لأنها تخلصت من ورقة الضغط الروسية ، و التي  توظف  مسألة الغاز للوي ذراع تركيا .
  • بعد تراجع ورقة اللاجئين كأداة إذعان وظفتها تركيا تجاه الإتحاد الأوروبي ، سوف توظف تركيا القوة و استعراض منتوجاتها العسكرية الجديدة  التي هي محلية الصنع للتأثير في سوق السلاح العالمية و فرض الأمر الواقع  قبيل الدخول في المفاوضات ، حيث تتجاوز مبيعاتها 8 مليارات دولار.

و من أنواع الصناعات التركية الجديدة : مدرعة يوروك ، منظومة كورال للحرب الإلكترونية ، طائرات إف-35، طائرات بيرقدار من دون طيار .

و كمحصلة لما سبق ذكره ،  تركيا اليوم تدافع عن مصالحها التاريخية خارج عمقها الاستراتيجي ، و من الآن يجب أن يُحسب لها ألف حساب في مناطق نفوذها التقليدية ، لذلك تقوم باستعراض عضلاتها عسكريا طالما أنها حققت اكتفاءا ذاتيا في الصناعات العسكرية و لابد لها من مجال لتجريبها و عرضها .

إن ما يحدث في المتوسط اليوم هو زوبعة في فنجان ، تريد تركيا من خلاله إسماع صوتها ، و بأنها قوة يجب أن يُسمع لها و يُأخذ برأيها بين الكبار ، غير أن القانون الدولي للبحار كفيل بحل هذا التوتر الذي يمكنه أن يأخذ أبعادا أخرى في حالة لم يتم إحتواءه ، كما أن الأداة الدبلوماسية وحدها هي الحل و التي سوف تمنع الأطراف من  اللجوء للمواجهة العسكرية المباشرة و الصفرية.

عن الكاتب

د. صادقي نعيمة

باحثة دكتوراه منظمات دولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس